عن الحنين.. أتحدث!

بسم الله الرحمن الرحيم

اليوم كان لي لقاء آخر مع الأستاذ عادل عصمت في اتحاد الكُتّاب كعادتي لأتبادل معه أطراف الحديث، وبينما نحن على ذلك تحول حديثنا إلى محاولة لجمع شظايا ذكريات ماضٍ بعيد بالنسبة له قريب بالنسبة لي، أقصد ماضي مدينتي العزيزة، طنطا ^^

حينها.. اجتاحتني موجة من حنين مفاجئ.. حنين إلى ذكريات قريبة قليلة وأخرى بعيدة كثيرة..

قريبة هنا في طنطا، بيت جدتي رحمها الله ومنزلنا هذا أيام إعداده للسكن ثم مدرسة الشروق الإبتدائية فالجيل المسلم الإعدادية فطنطا الثانوية، حين بدأت أفكاري وأحلامي اليانعة النضرة بالنضوج ببطء في البداية ثم بسرعة ثابتة.. أيام مجلات ميكي وماجد ورجل المستحيل وملف المستقبل وما وراء الطبيعة، حفظي لبعض سور القرآن العظيم في الجامع جوار بيتنا ثم جامع الغفران على بعد خطوات.. حلول الكمبيوتر ضيفاً على بيتنا لأول مرة ومحاولاتي المستمرة لإدخال الإنترنت إليه والتي انتهت بكابل (دي إس إل) كمكافأة نجاحي في الثانوية.. تزايد وتنوع قراءاتي، وبدايتي الحقيقية مع الأدب بلقائي مع الرائع د. أحمد خالد توفيق وبمساعدة العزيز أحمد جلال.. بداية متابعتي الفعلية للأنيمى الياباني ثم ترجمتي له.. ثم هناك أصدقاء وإخوان أعزاء عرفتهم في كل فترة، افترقتُ عن بعضهم لأجل مسمى وما زلتُ بجوار كثير منهم إلى الآن..

 

أما البعيدة فلا يعرفها الكثيرون إلا بعضهم المقربون، ذكرياتي في محبوبتي مدينة رسول الله، حيث ولدتُ وقضيت طفولتي..! هي ذكريات عزيزة على قلبي، صارت بعيدة الآن لكن طيفها ما يزال مقيماً في قلبي يصحو من حين لآخر فيصحو معه حنيني الحقيقي إلى حيث ولد القلب وكَبُر.. :)

 

بداية وعيي على الدنيا في منزلنا بحيّ العوالي، وعيتُ لأجد نفسي أركض بخطوات دقيقة طَموح بين حجرات المنزل.. مدرسة أختي الكبرى، كتب أختي التي كانت حروفها أول ما أقرأ في حياتي هي والقرآن الكريم.. ابتسامة أمي الفرحة بي حين أقرأ أمامها الكلمات بوضوح كامل مع أني لم أدخل المدرسة ولم أتعلم القراءة والحروف إلا سماعاً وإطلاعاً من مذاكرة أختي..! ثم منزلنا الآخر في حيّ الزاهدية، الجدران البيضاء كقلب الأم والباب الصغير و(القعدة) العربي، غرفة الألعاب والتلفاز الضخم والرسوم المتحركة الخالدة والمسلسلات الأجنبية والمصرية التي لم أملها مع كثر المشاهدة..

ثم ذلك المسجد الأبيض الشاهق العظيم، مسجد حبيبي ونور عيني سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم.. :) المسجد مترامي الأطراف حتى لتكاد تضل طريقك داخله.. البشر من كل شكل ولون، الأبيض والأسود والأحمر، ذو الجلباب وذو القميص والبنطال وذو اللحية وعديمها.. السجاد الناعم الدافئ والأعمدة الرخامية البيضاء اللطيفة الحنون، صوت الأذان يتردد في أذنيّ بينما أسير إلى جوار أبي (رحمه الله) إلى باب المسجد أو إلى حيث القبر الشريف.. مرتي الأولى في السلام عليه (صلى الله عليه وسلم)، لم أفهم يومها أمام من أقف، ويا ليتني فهمت..! الآن فقط أشعر أنها أكبر خسارة في حياتي، فيا ليت شِعْري أراه ثانية وأسلم عليه وأقيم إلى جواره الشريف بين قبره ومنبره..

مسجد قباء، مساجد المدينة، شوارعها وأسواقها حيث كنتُ أجول مع أمي في ملل أندمُ عليه الآن.. منطقة العِنَبيّة تلك التي كنتُ أكرهها وأملّها، وحين سمعت أنهم هدموها كلها تحسرتُ على ماضٍ رحل ولن يعود وتمنيتُ لو يعود يوم واحد من تلك التي كنتُ أملّها..! سوق العطارين حيث لا تتوقف آيات الذكر الحكيم عن التردد، ولا تتوقف الروائح الزكيّة للعطارة عن التدفق.. حديقة الوادي وحديقة المجد حيث كان ملعبنا وحفلات شوائنا ولعبنا ومرحنا وتحدياتنا مع أصدقاء مصريين أعزاء.. وأخيراً رحلات الطيران بين المدينة والقاهرة، وآخرها كان من المدينة للقاهرة، يومها فرحنا بعودتنا إلى مصر نهائياً ثم عدنا بعدها ببضع سنوات نكاد نعض أصابعنا ندماً على فرحنا ذاك..!

 

ذكريات بعضها بعيد وبعضها قريب، لم يبق من أيّ منها سوى أطياف زائرة من حين لآخر، وبعض صور هنا وهناك، وكلمات ضاحكة من أخواتي وأمي من حين لآخر، وكلماتي هذه..!

لم أكتب هذا كله إلا لأحبس لحظات الحنين تلك على الورق، عساي أعود إليها يوماً فيما بعد فأبتسم.. أو أبكي..

 

شكراً..

 

محمد الوكيل

أضف تعليق