يوميّة (10) (شيطان برج الحراسة، وفاصل للتلقائية..)

“أهي خطيئة أن أتعلّم العيشَ بلا حبّ؟ أهي خطيئة أن أتحكّم في الحبّ بإرادتي وأتحكّم فيه من أعلى..؟”

تساؤل فلسفيّ عاطفي يروح ناحية دينية ما.. أغنية باور ميتال أخرى أستمع إليها بينما ينتصف الليل رائقاً، أثرثر على الفيس بوك كالمعتاد وأنتظر تحميل تورنت غامض منذ الأمس، وأتندّم على لحظات اليوم  التي لم أتمكن فيها من متابعة مذاكرة الشرعي لإرهاق ألمّ بي..

 

هل تعرف ذلك المزاج الذي لا يمكّنك من الاستماع إلى أي موسيقى جديدة فتلجأ لقديمك، فتشعر بمسحة من الذنب أن لم تفتح عقلك للمزيد وأنك تعود للقديم بإصرار، لكنك لا تملك سوى الاستمتاع؟

تفهم أنك شيئاً فشيئاً تقترب من حقيقة الحياة.. لستَ تقولها غروراً ولا زهواً ولا كذباً، لكن حقاً أنت تفعل.. هي حقيقة أبسط ما يكون حتى أن فهمها صعب بالنسبة لكثيرين، ويعيش كثيرون ويموتون ولا يرون منها حتى لمحة، ولذا يظنون أن الحياة ظالمة، يظنون أنها غير عادلة ويظنون أنها تعطي البعض وتحرم البعض بكامل إرادتها الحرّة، لذا يعيشون دور الضحية فاهمين كانوا أو غير فاهمين..

 

“مدفوعاً بالطموح، مُنِحَت الإذن لدخول صالة الهتاف.. قد رفضتْ هي حبّك، الآن استمع بينما العالم كلّه يصرخ باسمك! (لسوف أنساها لكن لن أسامح.. قد نزل الستار، فلتنظروا إلى المِسَيّا!)”

صدى معركة يدور ببالي.. معركة كأن لها موسيقى خلفية من ستّ حركات، تتبدّل الحركات مع كلّ تغيّر في مسار المعركة ونفسيّة المتقاتلين.. أرى القتال في حد ذاته فنّاً عبقرياً لا يصلح أن تكون له خلفية من التراب والعواصف والجثث، بل قطعة مسرحية تلقائية حقيقية، معزوفة بارعة سريعة تتحرّك وتنتقل بخفّة من قطعة لأخرى دون أن تشعر ولا أن يشعر المتقاتلان، لكن رغم ذلك تشعرون جميعاً بذلك التغيّر الغامض، ويستعر لهيب المعركة ربما حتى يفنى أحد المتقاتلين أو حتى يفنى ميدان المعركة نفسه..!

 

“أنا هو أنا: الشيطان في برج الحراسة، ولسوف أكون ممجّداً إلى أبد الآبدين..!”

شيطان برج حراسة ذاتي.. أحمي تلك القلعة الحصينة بإصرار من الداخل قبل الخارج كأنما الخطر متربص، ولا خطر هنالك إنما حياة وعالم واتساع.. ولستُ أفهم سبب وجودي في هذا البرج في الواقع ولا سبب كوني معتزّاً بذلك.. ربما كان يجب أن أعوّذ نفسي فأحترق بناري وأدع جدران القلعة تتحطّم..!

أدّعي التلقائية طوال الوقت وحقيقة الأمر أنني لا أجدها سوى في غيري.. صورة ابتسامة بلا وجع على الفيس بوك، حالة شخصية لصديقة تكتب ما في قلبها وبالها بلا تحرّج وترسم دائماً الابتسامة على وجهي بلا فشل واحد، أو حتى في الصورة المتحرّكة لبطلة الأنيمى تلك (ميسوزو) التي تسير مع صديقها الوحيد في الحياة (يوكيتو) على سطح البحر، تسير بمهارة على حافة سور حجري رفيع باسطة ذراعيها على جانبيها ومسلّمة وجهها لنسيم البحر لاهية لا شئ ولا ألم ببالها.. كم أحبّ تلك الفتاة.. :)

وما أزال في رحلة البحث عن تلك التلقائية.. أن أكون نفسي فقط.. بلا أسوار وبلا شيطان في برج الحراسة..!

 

“الظلّ الذي ألقيه سوف يُظْلِمُ عالمها، ولسوفَ يطاردها شبحه في الليل! مع كلّ أغنية ستموتين قليلاً من أجلي، ولسوف لن يكون هناك ندوب لأنني قد أنزلتُ الستار!”

منذ أن نزعت أقنعتي –أو جزءاً منها- تحرر من داخلي شخص آخر مختلف متطرف المشاعر والتصرفات غير متطرف الفكر لشدة استغرابي.. لم أعد أعبأ بالكثير مما كنتُ اعبأ به سابقاً، وأشعر أن هذا يفقدني شيئاً ما أو بعض الأشخاص ببطء شديد وبشكل شبه غير ملحوظ.. وهذا يقلقني.. لكن لابد من ثمن ما ليُدْفَع من أجل أن أنغمر في نهر التغيير الأبديّ..!

 

يتردد صدى المعركة في ذهني من جديد، وأحلم بذلك المجد الذاتيّ الأبدي، وأتمنى أن أنزع عن نفسي إهاب شيطان برج الحراسة، وأحاول أن أنهي الليلة بسطوري الأخيرة تلك وأبتسم لعبارة ما كتبها (جلال) على الفيس بوك، وأبحث عن شخص ما أن يكون ظاهراً في الشات ولا أجده، فأتنهد وأضطر لإنهاء الليلة..!

 

“I am I: The Devil in the Belfry, I’ll be glorified forevermore..”

Avantasia – The Devil in the Belfry

 

 

محمد الوكيل

A.M.Revolution

"نصف" يوميّة (9) (رغبة في القتال ومشاعر في الجوّ..)

موسيقى قتالية تعزف في ذهني وتتسرّب خلال أذنيّ، تجعل فكرة لكم شخص في وجهه بكلّ قوّتي فكرة لا بأس بها، ممتعة ربما! ليس الأمر كراهية مني لأحد أو غضب أو شيء من هذا القبيل، فقط هي إرادة مني لإطلاق تلك الرغبة المقدّسة الخارقة للزمان والوليدة مع الإنسان في معركة يدويّة سريعة، تنكسر فيها الحواجز النفسية من الخوف والتهذيب والقلق مما سيأتي، فقط معركة عنيفة حتى يسقط أحدنا أو كلانا فاقد الوعي أو صريعاً..

مجّ نسكافيه خالٍ تماماً ورأس عامرة بالصداع وعدم التركيز، موسيقى أغنية ما لـ(لكمة الأصابع الخمس القاتلة Five Finger Death Punch)، وكلها متشابهة في الواقع لكن كلها بهذه الروعة: حماس زائد والكثير من الأدرينالين، وهو المطلوب اليوم استعداداً للمعركة الأخيرة في مادة الطب الشرعي.. كانت فترة امتحانات طويلة حقّاً غيّرت فيّ الكثير ولستُ واثقاً ما إذا كان سلبياً أو لا..

 

هل تملك القدرة على اشتمام الأحاسيس في الجوّ؟ هل تذكر تلك اللحظة حين كنت ترى صديقيك يتشاجران أو حتى ينويان الشجار، فتشعر أن الجوّ حولهما وفي المكان كلّه قد تغيّر..؟ تشعر حرفيّاً أن هناك توتراً في الجوّ..؟ هل تسمع حتى عن “نيّة القتل” التي تشعر بها من البعض أحياناً في لحظات الغضب أو في النية الجارفة الحقيقية لقتل شخص ما؟ هل تذكر تلك اللحظة حين يكون أخوك عائداً من سفر فتستقبله “الغالية” والأخوات بالأحضان وبسعادة كبيرة، فتشعر بالهواء صار خفيفاً والجوّ صار جذاباً تحبّ التنفس فيه..؟

هل تمتلك المشاعر هذه القوة حتى إنها تستطيع تغيير الجوّ والتأثير فيمن حولك دون الاتصال بهم جسدياً؟ قناعتي التي تكوّنت خلال العام الماضي بطوله هو أن المشاعر حرفيّاً هي ما يحرّك العالم ويبقيه في حالة حياة وحركة دائمة، هي ما يحقق للبشر ما يريدون وهي ما يجذب إليهم كل شئ حرفياً..

 

وما أزالُ أحاول تمرين نفسي على التقاط أي تغيّر في الجو يدلّ على تغيّر في مشاعر كل من أتعامل.. كان الأمر يتطلّب مني في البداية مجهوداً حقيقياً فقط لأرى الهالة المحيطة بمن أمامي وأفسّرها وكان ذلك يستهلك طاقتي على مدار الأسبوع فأصاب باكتئاب أو إرهاق غامض، حتى صار الأمر شبه معتاد بالنسبة إليّ فصار مجرّد حدسي الأوليّ عن ما يشعر به المواجه لي كافياً تماماً.. صرتُ بشكل ما قادراً على استشعار ما يشعر به بدون مجهود مني، مجرّد أن تلامس روحه روحي فقط.. :)

الحقّ أن الأمر يحتاج مجهوداً كبيراً حقاً.. لكنه يمنح قوة حقيقية وثقة لا جدال فيها.. :)

 

أحبّ السلام والهدوء وأن يحبّ الناس بعضهم، سيكون هذا مريحاً ورائعاً حقّاً وسيوفّر هذا عليهم الكثير من الدماء والأموال.. لكن تلك الرغبة المشتعلة في معركة يدويّة لن تكلف سوى بضع إصابات، تستعر داخلي من حين لآخر ولا أخجل من قول هذا، ولا أراه تناقضاً.. ستكون كاذباً إن ادعيت أنه لا جانب مظلم لديك..!

ربما سأحوّل هذه الرغبة مضطراً إلى طاقة تساعد على إنهاء منهج الطب الشرعي ذاك، ليس كبيراً حقاً ولكن شعورك بان الإجازة قد بدأت بالفعل يخمد داخلك رغبات قتالية عديدة :))

 

الكتابة صارت هذه الأيام شيئاً عزيزاً حقاً.. أحياناً أرغب لو أكتب قطعة فنّية لا تُنسى، لكني لا أجد خامة ولا أداة.. ليس بعد.. ليس في هذه الظروف والأيام ربما..!

 

شئ ما جديد ينمو ويرى النور في عالمي.. شئ ما ربما يغيّر هذا العالم تماماً.. ينمو ببطء ربما لكنه ينمو باستمرار ولا يتوقّف.. وأتمنى ألا يتوقّف أبداً في الواقع :)

 

 

محمد الوكيل

A.M.Revolution

يوميّة (8) (أيام النعيم الثلاثة، وباب من النور، وقطعة بيتزا..)

“حتى إذا قلتُ لك أن كل شئ سيكون على ما يرام، ما أزالُ أسمعكُ تقول أنك تريد أن تنهي حياتك.. الآن ومرة أخرى نحاول أن نبقى فقط أحياء.. ربما سنغيّر الحال لأن الوقت لم يتأخر، لن يكون متأخراً أبداً..”

 

رائع هو شعور الإرهاق اللذيذ بعد يوم امتحان ما.. هو إرهاق وهو متعب حتى أنك لا تستطيع تحريك مفاصل أصابعك لتكتب، إلا أنك فقط مسترخٍ وراضٍ أن انتهيتَ من شئ ما.. ممتع، صحيح؟ ^^

مجّ نسكافيه خالٍ بجواري أتكاسل أن أرفعه إلى المطبخ، وفيسبوك وتويتر كالمعتاد وموسيقى فرقة (ثلاثة أيام من النعيم Three Days Grace) تتردد في أذني.. ذلك المقطع في البداية كان من أغنيتهم

Never Too Late

.. لسبب ما كل أغاني هذه الفرقة فيها لمسة واضحة جداً من المشاعر السلبية.. لا أذكر أنني سمعت لهم شيئاً حماسياً إلا أغنية (عصيان Riot) وحتى تلك كان تدعو للعصيان من منطلق الكثير جداً من القرف في الأعماق.. ولستُ أسمعهم هذه المرة بدافع الإحباط، فقط اشتقت لموسيقاهم القوية لا أكثر..

اختبار الرمد اليوم لم يكن بالسيئ على الإطلاق، الحقيقة أنني أجد متعة غامضة في أسئلة الاختيارات تلك كأنما أعشق أن أرى الاختيارات كلها أمامي فأختار دون أن أرهق نفسي في التذكر.. الحقّ أنني أكره الغموض في الاختيار وعدم قدرتي عليه، أو أن أضطر لشقّ الطريق بنفسي.. أعلم أن هذا فرض عليّ طالما كنتُ إنساناً حراً، لكن ما أزال في رهبة من هذا..

(ثلاثة أيام من النعيم) ووتر آخر مفاجئ سريع.. “أستطيع أن أكون زائفاً، أستطيع أن أكون غبياً، تعلمون أنني أستطيع أن أكون مثلكم تماماً!”.. تحدثتُ اليوم مع صديقة في بعض شؤون تحديد المستقبل التي كنتُ أعدها قبل دقائق معدودة مضيعة للوقت أو شأناً عديم الأهمية لشخص مثلي (ليس من نجاح وإنما من الكثير من الفشل..!)، فإذا بباب ما لغرفة مظلمة داخلي يدأ ينفتح ويتسرّب إليه نور..

لزمن طويل، كنت أدّعي وأهتف وأنادي أنني أكره الكليّة ودراسة الطب بعمق، وأنني أكره كل شئ في الكلية، وأنني فقط مجبر على الاستمرار لأنه لا اتجاه أو خيار آخر رغم أن الاتجاهات كثيرة..

تذكرتُ اليوم أنه رغم أنني لا أبدو كذلك، إلا أنني عنيد جداً غير سهل الانقياد وأكره أن يكرهني أحد على شئ حتى الصلاة (!)، أحياناً أرفض ما هو لمصلحتي فقط لأنني غير مقتنع به أو أنني أرفض فقط الاستجابة لهذا الشخص أو الأمر بعينه.. وكذلك كان الأمر!

(غسيل رأس لأسباب الحرّ ثم أعود..)

أعترف.. كنتُ، فقط، كارهاً بعمق لإكراه أبي لي على دخول الكلية.. الحقّ أنني أستمتع بشدة بما أدرسه، أحب أن أفهم آليات الجسد وأن أفهم كيف يعمل الدواء وكيف يتوغل المرض، أستمتع بذلك بشدة ولا أجد غضاضة في فهمه ولا كراهة خاصة له..  بالعكس، أستمتع بالمعرفة التي أجمعها وربما أتخيّل أحياناً أنني أعالج شخصاً ما بما تعلمته وإن قلّ، وأجد أنني ولو في خيالي حققت حلمي البعيد: أن أكون “شافياً”.. :)

أن أكون “شافياً” حلم يراودني من حين لآخر.. لن أخفيك سراً أنني أحياناً أتخيل نفسي في صورة تلك الأيقونة الدينية التي تبسط يدها بالشفاء على الناس فيبرأون بلا عودة، وأنني أجد في هذا الدور عظمة لا يدانيها شئ.. الآن أفهم كيف كان يشعر سيدنا المسيح عيسى حين كان الله يبرئ على يده الأكمه والأبرص، وشعور سيدنا محمد حين كان الله يشفي على يده قلوب العاصين والمتألمين والمشتهين للحرام.. لابد أنهم كانوا أسعد أهل الأرض حينها :)

لذا، ربما سأعمل يوماً ما بالطب النفسيّ.. ما أزال منبهراً بشخصية تلك المُعَالِجَة النفسيّة التي تعرفت عليها في ظروف ما.. شعرتُ فيها قوة مذهلة وأثراً عنيفاً تستطيع أن تتركه في قلب كل من يعرفها.. وأودّ لو أكون مثلها يوماً..

الحقّ أن تلك الحقيقة التي كُشِفَت لي، وأن ذلك الباب الذي انفتح.. حرراني.. كثيراً.. ِشعرتُ لكأنني سأقفز في الهواء فرحاً للحظة.. أخيراً قيد ما داخلي قد تحطّم، وكهف مظلم قد استنار.. :)

“أنا أكرهُ كلّ شئ فيك.. لماذا أحبّك..؟ أنت تكره كلّ شئ فيّ.. لماذا تحبني..؟”

(ثلاثة أيام من النعيم) مستمرّون.. هذا الفتى يعرف كيف يستعمل صوته ليمتع أذنيّ بأداء مختلف..

أتعلم؟ رغم أن البعض –أو الكثيرين- ممن يأتون إليك واثقين في أنك ستخفف عنهم القليل، ربما لا يحتاجون منك أن ترسم لهم العالم ورديّاً وأخضر وأن تخبرهم أن كل شئ سيكون على ما يرام.. هذه حقيقة..

يحتاجون منك فقط أن تسمع.. تسمع وحسب.. وربما حتى أن تشاركهم الاكتئاب والتشاؤم وتؤمّن على قولهم بأن العالم حقّاً خراب وخواء وأن البشر وحوش يرتدون ثياب القسيسين وأن الامتحان زفت مقطّر وأنه سيرسب إلا بنجدة من الله.. نعم حقاً، البعض يحتاجون لهذا.. يحتاجون منك أن تشعر أنك تشعر بهم وأنك لست جلنفاً آخر يتصنع الاهتمام، وإنما فقط يجلس بجوارهم ويعدّ دموعهم ويبكي مثلها..

“الليلة أشعل النار، الليلة أهرب.. أهرب من كل شخص.. أهرب من كل شئ.. إن لم تكن تحتمل هذا المكان فخذ نفسك إلى أعلى مكان..”

تقلبات مزاجية كثيرة تعصف بي هذه الأيام.. حرفياً صار مزاجي يتغيّر كل 24 ساعة.. كنتُ أخشى من أثر ذلك على الأيام القادمة، غير أنني صرتُ في حالة مخيفة من البرود هذا الصباح جعلتني أدرك في هدوء أن قلقي على ما سيحدث سيزيده سوء، فتوقفت عن القلق وحسب. الحقيقة أن مزاجي الآن لم يكن أفضل من هذا منذ فترة :) وسأعمل جاهداً لأحافظ عليه كذلك.. وربما سيساعدني فتيان أيام النعيم الثلاثة.. ^^

ألتهم قطعة بيتزا متبقية من الغداء كعشاء متأخر، وأرفع السماعة عن أذنيّ لأستمع إلى “شاهد ما شافش حاجة” في التلفاز من بعيد.. ستكون ليلة ممتعة أظنّ.. :)

If you feel so empty, so used up, so let down, If you feel so angry, just get up.. Let’s Start a Riot! A Riot! Let’s start A Riot!”

Three Days Grace – Riot

محمد الوكيل

A.M.Revolution

يوميّة (7) (أغنية غامضة.. ومحاولات..)

“وإذا ذهبتَ، أريدُ أن أذهب معك.. وإذا مِتَّ، أريدُ أن أموتَ معك.. خذ يدكَ وامشِ بعيداً..”

كلمات غامضة في أغنية غريبة الأسلوب أختتم بها نهار اليوم مع وفاة آخر أشعة للشمس.. للعبقرية ثمن غالٍ هي ألا تكونَ مفهوماً، يكون من السخيف والمؤلم أحياناً ألا تكونَ مفهوماً، إلا أن ما تفعل يتناسب خلوده طردياً مع عبقريته الحقّة..

ينتهي يوم مملّ آخر لم أتحرك فيه من المنزل تقريباً كالمعتاد في أيام الامتحانات هذه حين أحتاج للدراسة خارج المنزل.. لا بأس على أي حال، الملل لم يعد ما يزعج كثيراً..

لا نسكافيه في هذه الجلسة، فقط كوب من البيبسي وتلك الأغنية الغامضة، (يوم موحش Lonely Day).. لم أسمعها منذ فترة طويلة، شهور ربما، وفجأة تقفز إلى بالي بعد وقت مرهق من الدراسة.. كان يوماً موحشاً في الحقيقة، هو واليوم التالي كذلك.. لا أعرف عن اليوم التالي أي تفاصيل غير أنه الذكرى السنوية للوالد، (يوم أبي) كما أدعوه، بالتالي هو يوم موحش ولا ريب، إلا لو حدث حادث ما..

 

” يا له من يوم موحش، وهو مِلْكي.. أكثر الأيام وحشة في حياتي.. يا له من يوم موحش، يجب أن يُمْنَع.. “

بعدها بيومين في فترة أخذ العزاء، أخبرني (محمد هشام) في مناسبة حديث ما أن المرء لا يصيرُ رجلاً حقاً إلا إذا فقد أحد والديه، أحسبها كانت في وقتها نوعاً من التعزية الضمنية.. يخبرني بطريقة ما أنه ثمن كان يجب أن يُدْفَع لقاءَ أن أكون رجلاً، أو على الأقل حتى أكبر بعض الشئ.. كان ثمناً كبيراً حقاً، لكن لا عتاب “عليه” ها هنا.. اكتشفتُ أن كل الطرق تؤدي إلى القبول بما يقضي ويختار لك.. عدم الرضا عن قضائه لن يحسّن الوضع وربما يزيده سوءاً فحسب.. مقابل آخر اكتسبته لقاء الثمن الكبير..!

 

“وإذا ذهبتَ، أريدُ أن أذهبَ معك.. وإذا مِتَّ، أريدُ أن أموت معك.. خذ يدك وامشِ بعيداً..”

تخنقني محاولاتي للتفلسف أحياناً.. في أوقات كثيرة تراودني الرغبة في أن أكتب عن الحب أو عن حبيبتي ربما، لكن أطول محاولاتي لم تتعدَ فقرة قصيرة أو قصيدتين أو ثلاثاً في أوراق لم يقرأها غيري وحتى أنا نسيتُ أين أضعتها.. ليس الأمر جفاء مشاعر فأنا أبعد البشر عن ذلك، فقط هو خيط من خجل يمنعني أو رغبة في كمال مطلق.. لا يستقيم أن أكتبَ عن شئ راقٍ نظيف كهذا من دون أن يكون ما أكتبه خالياً من ابتذال يملأ كثيراَ مما كُتِبَ عنه.. أليس كذلك..؟

 

“يا له من يوم موحش، لم يكن يجبُ أن يُوجَد.. إنه يوم لن أفوّته أبداً..

من أجمل ما خلق الله الامتنان والشكر.. تخيل أن يفعل البشر لبعضهم كل شئ من دون أن يشكروا بعضهم البعض أو يكونوا ممتنين.. ألن تكون الحياة آلية مملة حقاً؟ أليس الشكر بشكل ما يُشعرك أن ما فعلتَ مهم حقاً عند من فعلت ما فعلت لأجله، وأليس يدفعك لعمل المزيد وأليس يجعلك تشعر أنك حقاً في حالة ما من السموّ؟ أنك مارست مهمة عُظمى خُلِقتَ لأجلها: العطاء..؟

رائع أن يُشْعِرَكَ أحدهم أن ما فعلت –حقاً- مهم ورائع جداً.. أنت لا يهمك ما فعلتَ حقاً ولن تشعر بفرق إن لم تتلقَ شكراً، لكن أن تجد ذلك الذي يخبرك أن ما فعلتَ عزيز جداً لديه، أحدث له فرقاً كبيراً، وحين يشعرك أن اهتمامك مهم لديه.. تكون، فقط، سعيداً.. حينها فقط تتناقص وحشة يومك، وتشعر أن الحياة فيها الكثير ما لن ينفتح بابه سوى بمزيد من ذلك.. :)

يسرّني أن أشكرك.. حقاً :)

 

بدأ الوحش بالتراجع والخمود من جديد بداخلي.. الحقّ أن هذا عظيم.. كان حرفياً يضغط على جسدي من الداخل فشعرتُ به يوشك على الانهيار مرات عديدة.. المشكلة أن وحشاً كهذا لا تصلح أجسادنا البشرية لاحتوائه، وفقط مشاعرك وطريقتك في الانفعال، وما تكتب وما تقول، كل هذا هو منفذه الوحيد لالتقاط الأنفاس..

 

توشك الدائرة المغلقة المتكررة التي صرتُ أسيرها على الانكسار قريباً جداً، والحقّ أنني أتعجل نهايتها.. أحاول التملّص أحياناً غير أنه لا نفاذ، وأنا نفسي سددتُ على نفسي طرق النفاذ وأنتظر فقط في صبر انتهاء الدائرة..

 

في صمت أحمدُ الله على نعمة العطاء والامتنان، وفي ملل أراجع ما كتبتُ وأشعر بسخفه المطلق غير أنني فقط أستمر في الكتابة لسبب ما، وأغيّر الأغنية التي أستمع إليها وأفكر فيما سأفعل في الساعات الباقية من هذه الليلة، وفي (يوم أبي) غداً.. ولا شئ آخر.. ربما..؟

 

“Take your hand and walk away..”

System of a Down – Lonely Day

 

 

محمد الوكيل

A.M.Revolution

يوميّة (6) (متلازمة الاشتعال..)

Stage_Flame

 

على الحدّ الفاصل تماما بين يوم مضى ويوم يوشك على الإنبعاث، أتخذ جلسة صارت شبه يومية مختلفة الموعد هذه المرة.. لا نسكافيه ولا شمس بالخارج هذه المرة ولا هدوء، لا هدوء على الإطلاق.. ذاك (خيري رمضان) يهذي في شئ ما في التلفاز بملامح شبه يهودية بغيضة مميزة تزيدها الخلفية الزرقاء (المختارة بعناية ربما!) سخافة، وهذه الأسرة جالسة تثرثر كالدجاج.. ضوضاء صرتُ مؤخراً لا أطيقها، فأختار ضوضائي الخاصّة هذه المرة.. (ميتاليكا) هم الأفضل هذه الليلة لمزاجي الناري، ولا شئ أفضل من أغنيتهم (وقود Fuel) ليضيف إلى الاشتعال..

 

“لذا أعطني وقوداً، أعطني ناراً، أعطني ما أرغب!”

مزاج ناري يستعر إلى أقصاه اليوم ربما.. لا، ليس اكتئاباً عارماً كذلك الذي يزحف داخلك فيلتهم كالورم.. هي ألسنة لهب أشعلتها بضعة شرارات صغيرة متناثرة هنا وهناك وجدت لها مستقرّاً ومرتعاً في مخزن وقود عملاق ممتلئ عن آخره، داخلي.. ألسنة امتدت فأحدثت بضع خسائر طفيفة لكن كثيرة كانت كفيلة بإفساد يوم كامل منذ الفجر حتى منتصف الليل.. لم يطفئ هذا كله إلا بعض الابتعاد ومحاولات من أصدقاء نجحت إلى مدى معقول، احتوى الحريق قليلاً على الأقل وإن لم يُخْمِده..

 

لم أكتب ليلاً منذ فترة طويلة.. وقت غريب فعلاً للكتابة خاصة وأن لديّ محاضرة رمد بلهاء أخرى في الغد، محاولة أخرى لصنع وهم أكثر واقعية أنهم يرغبون حقاً في مساعدتنا للنجاح لا تحليل رواتبهم. الحقيقة أنني أحمد الله أن انتزعتُ من وقت نومي الثمين بضع دقائق أكتب فيها هذا وأستمع إلى “الوقود” ينهمر إليّ عبر أذنيّ.. الحقّ أن الكتابة لن تخمد النيران تماماً إنما فقط تحولها لصورة أخرى ليست أقلّ هولاً، لكن ربما تحرق شيئاً آخر بعيداً عني فتكون لي تطهيراً بشكل ما..

 

يعنّ ببالي فجأة شخص “ذي الوجهين” خصم بطل الطفولة الأزلي (باتمان) اللدود وصديقه القديم، مقسوم الوجه تماماً بين بقايا وجه وسيم ماضٍ وبين جانب مشوّه مُدمَّر شبه وحشي.. وأرى أن هذا الشخص إنسان كامل تام، أصدق إنسان على وجه البسيطة في الواقع، وجهاه الحقيقيان يظهران على سطحه الخارجي، خيره وشره باديان عليه على حد سواء وهو فقط من يختار أيهما يستخدم ومتى.. ليس يظهر جانباً واحداً في المناسبات الرسمية ومع حبيبته ثم يعود لمنزله فيتشوه الوجه الكائن إلى الآخر بمعجزة ما.. باختصار أكثر: هو ليس منافقاً..! رائع..!

 

“أروي عطشي بالجازولين!”

 

لم أعد أحلم، حرفياً.. لستُ أنام فأحلم فأصحو فأنسى ما حلمت، صرتُ لا أحلم مطلقاً.. لا أتذكر سوى السواد حين أحاول يائساً تذكر أي شئ رأيته فيما يرى النائم.. لا شئ.. لا شئ.. لم أعد أحلم.. لم يعد الحلم رفاهية ولم يعد النوم راحة بقدر ما هو عملية حيويّة مملة أخرى.. حتى رفاهة الخيال حرمت من نصفها فلم يبقَ سوى خيال مصطنع أشاهده في الأنيمى وأسمعه في الموسيقى..

 

“لذا، أعطني وقوداً، أعطني ناراً، أعطني ما أرغب!”

استيقظ الوحش بداخلي جزئياً منذ أول الأمس.. تثاءب بعمق وبدأ يومه “الطويل جداً هذه المرة ربما” بتكاسل لكن بشره، أخذ يبحث لنفسه عن وقود ليستفيق وينطلق من العِقال.. هكذا أخذ يبتلع بسرعة كل شئ، وقتي والكلمات القليلة جداً التي ذاكرتها اليوم رغم اختبار الخميس وعلاقتين أو ثلاثاً ربما، وخيطاً من تهذيب قيّدني كثيراً عن نسف أدمغة الكثيرين، والكثير من طاقتي النفسية والجسدية، وعقلي قريباً بإذن الله..

لم يعد تقييد الوحش ممكناً لأجل غير مسمى.. لا أدري متى يخلد للنوم ثانية ولا أدري ما إذا كنتُ أريده أن ينام أصلاً بعد.. لكن عزائي الوحيد أنني لم أكذب عليك بارتداء قناع زائف من الإنسانية هذه المرة، وأنني فعلتُ حقاً ما أردتُ أن أفعل منذ مدة طويلة وكان الوحش يدفعني دفعاً لفعله فأردّه.. الوحش طليق، لن يفترسك ما لم تتعرض له بأذى، وأضمن لك أن يفعل إن خالفت هذه القاعدة الوحيدة..

 

ربما مدين باعتذار، ومدين بالشكر لبعض أصدقاء.. يعرفون من هم بالتأكيد وربما يقرأون هذا، وبالتأكيد سيصلهم الشعور.. أعتذر أن لم أسيطر على الوحش في الوقت المناسب فخدشكم، وأشكركم أن روّضتموه ولو قليلاً.. :)

 

أحاول فتح مقلتيّ لإنهاء السطور الأخيرة ومتابعة الاستماع إلى “وقود” لمرة أخيرة قبل النوم، مع أمنية خفيّة أن أحلم هذه الليلة، وربما أن أتوصل لاتفاق من أي نوع مع الوحش، ومحاولة للسيطرة على الحرائق بالأعماق..

 

“I must confess that I feel Like a Monster!”

Skillet – Monster

 

 

محمد الوكيل

A.M.Revolution