عن الحكايات، في صباحٍ طازج.. (رسالة)

42d8449baf1c6fa3eb7ea1e5e29670cc

(Source: Rashomike – DeviantArt)

(من سلسلة طويلة من الرّسائل، قد تخرج للنور يوماً وقد لا تخرج أبداً..حسب قابليتنا للحكي..)

17 أبريل 2015

صباح الخير..

هذا الصباح، أنا حديثُ عهدٍ بالكثير. حديث عهدٍ بنفسي، فجأة شعرتُ كأنما ولدتُ من جديد، صفاء غريب لا مثيل له، هدوء، رغبة في لزوم الفراش وعدم إصدار حركةٍ تكسر هيبة هذه اللحظات الرائقة جداً.. لا أقول حديثُ عهدٍ بربي، لكن على الأقل أشعر بوجود الاحتمالات، بأنني قادر اليوم على أن أكونَ أقرب ولو خطوة. هو صباحٌ طازج جداً، وكذلك روحي.

بالأمس، كنتُ أتحدث مع أحدهم عن أعمالنا الأدبيّة وما شابه، فعرف أنني كنتُ أكتب قصصاً قصيرة فسألني لِمَ توقّفت؟ لم أجد جواباً مقنعاً أقدمه لنفسي قبله. ثم اكتشفتُ الجواب لاحقاً:

عالمي لم يَصِر غنيّاً بما يكفي. الحكايات بالخارج أكثر وأغنى بالتفاصيل والمضامين بكثير جداً مما أملك وأقدر على صنعه بالداخل. أصارحكِ أنني أعشق الحكي جداً، وأنني دائماً ما أجدُ حكاياتٍ مسليّة أحكيها لهم ولنفسي، لكنها دائماً اشتقاقات، حكايات غير مبتكرة، عناصر مستعارة. لا أجدُ في نفسي القدرة على كتابة القصص بعد. أتمنى أن أفعل، أتمنى أن أترك حين أموت آلاف القصص المسليّة، حتى يقرأوا ويستمتعوا بما يقرأون حتى الملل، ولأراقبهم أنا من العلياء وأهز رأسي مبتسماً في رضا.

ما رأيك؟ هل لو صرنا قططاً سنتمكّن من إيجاد حكاياتٍ مسلية أكثر؟ المشكلة أننا لن نتمكّن من الكتابة أو حتى سرد ما رأينا لأحد.. إذاً ما رأيكِ حين تتملّكنا شهوة الحكي أن نحتلّ أجساد بعض البشر ونكتب بأيديهم ما نريد؟ ألن يكون ذلك رائعاً؟ نعيش حياة وحريّة القطط ونكتب كما نشاء؟ :)

فلنجعل اليوم يوماً لطيفاً ولنحافظ على هذه الوتيرة ما أمكن :)

صباحكِ سكر :)

محمد..

السُّخْف بيأكّل عيش: وليمة لأعشاب البحر نموذجاً!

hhwalimaer6

أخوكم –بفضل الله- قارئ قديم، وفخور بكده، ومتابع قديم للأخبار –وكان بالإكراه بصراحة-..

في بدايات الألفيّة كنت بشوف بنصّ اهتمام خناقات وعركات كتير عن رواية لكاتب اسمه (حيدر حيدر)، اسمها (وليمة لأعشاب البحر). اللي شدّني في الموضوع –غير اسم الرواية العجيب- كونها على وصف المتخانقين فيها سبّ لله والأنبياء عليهم السلام وسخريّة من الأديان وما إلى ذلك. فضلت الرواية بالنسبة لي تابوه محرّم وإن كان عندي فضول أقراها في يوم من الأيام، وبعدين كله اتنسى مع الوقت.

 

شفت الرواية تاني قريّب أكتر من مرة في معرض كتب عندنا في الكليّة. كانت كبيرة فقررت أقرأها بي دي إف. قررت كده عشان أحسم الجدل بنفسي وأكوّن رأي خاصّ فيها بدون تحيّزات مسبقة، وعشان أريّح نفسي شوية من الفضول القاتل :D الرواية بتتكلّم عن واحد (مناضل شيوعي) عراقي هرب للجزائر في أغقاب انقلاب حصل على حزبه هناك (ما تنتظرش مني تفاصيل تاريخية :)) ) ، واللي بيحصل له هناك والناس اللي قابلهم، وتمرده على الله والدين والسلطة والمجتمع والناس وما إلى ذلك، مع شوية Flashbacks من أيام “النضال” الشيوعي في العراق إلخ..

 

متوقّع إيه؟ أيوة، الرواية زبالة. آسف على اللفظ، لكن ده أقلّ واجب. سوء الرواية دفعني لتركها قبل حتى المنتصف. مش هنتكلّم دلوقت عن أسباب الهجوم القديم عليها، لكن خد عندك:

– أساليب بلاغية مفتعلة جداً قمّة في السذاجة والتعقيد، وكتير حتى تنسّيك كنت بتقرأ إيه.

– الأحداث مبعثرة، حرفيّاً، تبقى في الجزائر فجأة تلاقي نفسك قفزت للعراق، وتبقى على الشاطئ مع مهدي وآسيا تلاقيك فجأة بقيت في الفندق! انتقالات مفاجئة سايحة في بعضها بشكل يكرّهك في متابعة القراءة.

– أجزاء القصّة مقسّمة حسب فصول السنة، والسبب مجهول تقريباً وملوش معنى في الأحداث أو في خط سير القصة. بالمرة.

– كميّة حشو جنسي غير طبيعية وغير مبرّرة بأي شكل. الأمر وصل بالكاتب لأنه جعل الجنس خارج إطار الزواج أمر معتاد وطبيعي جداً بل وجزء من “النضال الشعبي” في الجزائر (مثال: فلّة بو عنّاب!)، وإن اللي رافضين ده متخلفين وسفلة ودين البدو والصحراء وإله الصحراء مسيطرين عليهم!

– نصف اللي قرأته من الرواية تمجيد وتعظيم للشيوعيين ونضالهم وكفاحهم (المسلح الدموي بالمناسبة وباعترافه هو) بل ودعوتهم شهداء وبشكل فجّ (بيوزع صكوك الشهادة بمزاجه يعني).

– وحدّث ولا حرج عن السب اللا متناهي في الله سبحانه بدون مواربة، وفي الدين ورموز الدين ومنها القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، وفي كلّ صفحة وموقف مهما بلغت تفاهته، وبشكل ممل فعلياً. استشهاداته القرآنية كلها مذكورة في سياق سخرية وتقريباً مفيش آية صحيحة مكتوبة! بيساوي الله سبحانه بطغاة العرب في جبروتهم وعدّهم لأنفاس شعوبهم وقمعهم وتقييدهم، تشكيك في كل شيء من فعل الله، حتى مجرّد شكل أنف آسيا الكبير (آه والله!) وادعاؤه إن الله فنّان فاشل. قول إنه كفر وأنا مش همنعك بل وهبصم معاك بالعشرة :)

باختصار: الرواية فاشلة على كلّ منحى، ومهما حاولت تقرأها بموضوعيّة وبدون أدنى تحيّز، برضه هتلاقي رواية حرام تضيّع فلوسك عليها.

 

تخيّل بقى، بعد ده كلّه وبعد قراءتك للرواية بنفسك، إن الرواية الفاشلة دي دار عليها جدل ضخم من كام سنة. وخلّينا نعترف بإن إحنا اللي بندي للتوافه قيمة وسعر وآذان صاغية وعيون قارئة. أو يمكن إحنا بهذا المستوى اللي يخلّي السُّخف –فيما بيننا- يأكّل عيش. وما رواية الفيل الأزرق (مع التغاضي التامّ عن شبهات كونها مسروقة الفكرة ) أو آراب آيدول أو حتّى أفلام السّبكي وسما المصري وأمثالهم، ببعيد.

 

لا تشتروا السّخف. لا تطعموا السّخف خبزاً. لا تسمحوا للسخف وصنّاعه بالحياة بينكم. أنتم تستحقّون أفضل من هذا. انتهى.

 

محمد الوكيل

ما وراء (ما وراء الطبيعة): حكاية 18 عاماً، ووداع..

user7158_pic1887_1240861564

((ملحوظة: هذه التدوينة قد تحتوي حرقاً للكثير من أحداث سلسلة (ما وراء الطبيعة)،وقد لا يروق لك هذا، فإن شئت فاحتفظ برابط التدوينة مشكوراً في Pocket حتى تنتهي من قراءة السلسلة، ثم عُد، وإن لم تمانع فاستكمل القراءة من فضلك، وسأكون شاكراً بكل حال بالتأكيد :) ))

 

18 عاماً..
كانت البداية في بيت جدّتي، مع العدد الرابع من السلسلة (أسطورة آكل البشر). بإمكانك أن تتخيّل أنني لم أستطع النوم ليلتها وكنت أمشي في الشقّة في هلع حقيقيّ من أن يخرج (عزت) فجأة من باب الحمام الصغير مهاجماً إياي، أو أن أنظر في المَنْوَر فأجد بقايا (جثثه) مدفونة هناك. الانقباض المؤقت من السلسلة ثم بداية الإقبال عليها، فقط لأنها تجديد مطلوب من قصص رجل المستحيل وملف المستقبل إياها. (أسطورة الندّاهة)، (الموتى الأحياء)، (رأس ميدوسا)، ثم انقطاع مؤقّت لظروف الدراسة والسفر وغيره، ثم عودة للقراءة النَهِمَة بعد الاستقرار في مصر، ثم المتابعة على الإنترنت ومنتديات (نادي روايات)، والقصص التفاعلية الطريفة إياها (أسطورة ربع مخيفة) و(أسطورة ميسيا)،  وعشرات الأعداد فيما بعد وفي كلّ مناسبة ووقت. انتهت مسيرة ال18 عاماً قبل 3 أيام، مع العدد الأخير (أسطورة الأساطير). يعلّمنا د. أحمد خالد أن لكلّ شيء نهاية، مهما كان حُلواً.

 

ظلّ الشيخ أستاذ أمراض الدمّ المتقاعد (رفعت إسماعيل) رفيق وحدة مثاليّاً ذا حكايات مسليّة لا تكاد تنفد، وشخصاً مؤثراً جداً في جيلي كلّه ولا أستثني نفسي: اهتماماتنا وقراءاتنا وأساليب كتاباتنا (بوضوح تام!) وما نبحث فيه وما نشاهده ونسمعه، في أساليب بحثنا عن جديدٍ نقرأه، رفع مستوى ذوقنا فصرنا لا نقنع بأي مكتوب دون المستوى، ونستتفه من يستهين بعقولنا فيما يكتب.
ظلّ د. رفعت كذلك حتى نهاية النهاية. تخيّل أن هناك شخصاً بذلك الشغف للحكي، حتى أنه يكتب ما تبقّى لديهِ من حكايات غير محكيّة على فراش المرض بالسّرطان وهو في أضعف حالاته، وحين يعجز فإن روحه تتابع الكتابة عن طريق لوح (ويجا Ouija )؟ بل تخيّل أن يموت شخص ذو حياة حافلة مثله ميتة بهذا البؤس: سرطان الحنجرة؟

 

حقيقة الأمر أنني سمعت النهاية من الدكتور أحمد خالد نفسه قبل عدة أعوام من صدور العدد الأخير. لكن يبقى أن تحقّق ما قاله كان موجعاً محزناً بشكلٍ ما. لم تنوقع من رفعت إسماعيل أن يموت صحيحاً سليماً أصلاً، لكن فكرة موته نفسها.. (بالتأكيد تفهم شعور من هو واثق بوفاة أبيه، ثم ينفجر بكاءً حزيناً حين يموت فعلاً؟).. كان القلب ينبض متسارعاً مع قرب النهاية، ومع حكايات رفعت الأخيرة المتواصلة في سرعة، ومع مغامرته الأخيرة في ذلك العالَم الموازي، بل ومع ذلك الأمل الزائف بشفائه على يد ذلك النصّاب الرومانيّ. فقط تمنيتُ أن يحيا بضعة أعداد أخرى، بضعة حكايات أخرى.

 

ما نزال متعلّقين بالأمل وبصدور الأعداد الخاصّة، لم نشبع بعدُ للأسف من (رفعت اسماعيل) حتى وإن ظنّ د. أحمد العكس. ما زلتُ أرى أن كون رفعت اسماعيل مضادّ بطل Anti-Hero لا يعيبهُ في شيء بالمرة، بل ولا أرى أنها فكرة جديدة إلى هذا الحد، فقط هي كانت جديدة على القارئ العربيّ وقتها، وما تزال غير مفضّلة للكثيرين، لكنها مفضلة لنا نحن.. عشّاق د. (رفعت اسماعيل) وأبناءه الروحيين.

 

د. رفعت: ارقد في سلام، (عسى أن تجد جنّتكَ التي بحثت عنها كثيراً)، وأظنّك تستحقّها..
وداعاً أيها الغريب.. لكنّ كلّ شيء ينتهي.

 

محمد الوكيل
طنطا في 3 أبريل 2015