الكرنك: ظِلّ نجيب محفوظ من جديد.. :)

Najeeb (3)

ثاني رواية أقرأها لنجيب محفوظ..

الرواية هذه المرة ترمي بشكل أساسي لحكي جانب من معاناة وآلام هؤلاء الذين آمنوا بثورة يوليو فقط لتفترسهم آلتها الديكتاتورية لاحقاً، قبل النكسة بعامين أو أقل حتى بعد النكسة بمدة مشابهة..

سياسياً: يتبدى لي أن محفوظ لم يكن متحمساً جداً لثورة يوليو وربما عاداها كذلك بعد ما تبدّى له من جانبها المظلم، وإن لم يبدُ لي أنه يُفَضّل الحديث عن ذلك كثيراً وفضل أن يظهر من خلال سطور هذه الرواية.. عرض هو الكثير من وجهات النظر الشائعة والسائدة في مرحلتي ما قبل النكسة وما بعدها بنوع من الحيادية وإن بدا جليّاً كونه خصماً للثورة فيما وضع من معاناة في حكايات أبطال القصة جميعاً، لم يحاول الدفاع عنها إلا من جانب إنساني بحت لا من جانب سياسي زينب دياب مثالاً)، وجعل الطرف الوحيد المدافع هو من كان مستفيداً من جبروت النظام قبل سقوطه المريع (أعني خالد صفوان)حيث وضع ضحاياه في نفس التصنيف معه: “كلنا مجرمون وكلنا ضحايا” رافضاً الاعتراف بجرائمه صراحة وجاعلاً من نفسه ضحية.. غير أنه يبدو أن محفوظ فقط قرر تغليب حسه الأدبي فجعل رأيه في تلك المرحلة عملاً أدبياً قصيراً اسمه (الكرنك)..

أدبياً: الرواية جيدة جداً كعادة عم نجيب، عم نجيب بطبعه وطبيعته روائي باحتراف الرواية صنعته وعمله الأفضل والأوحد، تجده يستعين بالأسلوب الكلاسيكي في الرواية (بداية – وسط وأحداث وعقدة – نهاية “وإن كانت مواربة نوعاً” ).. عمد محفوظ إلى الرمز للوسط السياسي في تلك الفترة الزمنية ب(الكرنك) رامزاً ربما لعراقة مصر كأرض واتساعها للكل ووجودها هي هي مهما تغيّر الشخوص.. وربما أجرؤ على القول أنه رمز إلى شخص مصر الاعتباري بقرنفلة صاحبة المقهى: إمرأة من زمن الفنّ الجميل أحالتها الثورة إلى التقاعد فصار عملها الوحيد إدارة المقهى في هدوء وربما الوقوع في هوى بعض الشباب أحياناً (ربما كنوع من الأمل في أن يُجددوا شبابها!)وجعل حدادها الصامت على حلمي حمادة رمزاً لحداد مصر الصامت على شبابها الذين دهستهم الثورة تحتها..

أتقن محفوظ تصميم شخصياته وجعل كلاً منها بيدقاً يعبّر عن فئة ما من شعب ذلك الزمان وربما إن راجعت الرواية ستفهم قصدي أكثر..

كسرد فإن أسلوب محفوظ كعادته سهل خفيف مشوّق يحببك فيما في يدك لتقرأه، ألفاظه كلها سلسة طبيعية ومن عمق البيئة التي يتحدث عنها، يتقن جعل كل شخصية تتحدث بلسانها، غير أن لمحفوظ بعض لمسات سحرية أسلوبية من حين لآخر، بسيطة في اللفظ رائعة في المعنى.. (وأيقنت أنه من العبث أن تناقش عاشقاً في عشقه)..

رواية (الكرنك) قد تبدو لك للوهلة الأولى بسيطة جداً لا بداعة أو جديد فيها يُضاف لمحفوظ، غير أنني أحسب أنه أبدع جداً في الترميز فيها وفي تكثيفها بهذا الشكل، وفي إيصال كل ما أراد أن يقوله في حوالي مائة صفحة تقريباً، في أسلوب بسيط بعيد عن كلاكيع السياسة أو عُقَد الأدباء.. :)

رحمك الله عمّ نجيب :)

محمد الوكيل

A.M.Revolution

من بروفايلي على Goodreads بتصرف بسيط

يعني إيه "سارح في الملكوت"..؟

منشور في موقع كلامنا

http://kalamna.net/?p=1241

عارف يعني إيه “سارح في الملكوت”؟

يعني إنك تصحى ساعة صبحية باردة وتلاقي الساعة لسه سبعة إلا ربع تروح عامل Snooze ومكمل نومك يمكن لحد سبعة ونص فتضطر ساعتها تقوم جري تحضر لنفسك مجّ نسكافيه عملاق عشان تلحق تحطّ أي هدمتين على جتتك وتنزل الكلّية.. وفي أثناء كل ده تلاقي دماغك مشغّلة أغنية معينة وعمالة تلعب جوه دماغك ومش قادر توقفها، تروح ببساطة تخليها الTheme Song بتاعت اليوم وتقضي يومك كله على كده..

يعني إنك تروح مشاويرك كلها تقريباً وسماعاتك في ودانك مشغل أي أغنية تيجي معاك، بظروفها كده مش بترتيب معين، وتستمتع وتندمج لدرجة إنك تغيّر موودك مخصوص عشان خاطر الأغنية متزعلش إنها عدّت في ودانك كده، وإنك تسيب خيالك يسرح ويودّي ويجيب ويخترع معارك طاحنة أو حركات إنسيابية، وتسيب جسمك نفسه ينفعل زي ما ينفعل مع الأغنية..

يعني إنك تبقى سايب عينيك رايحين جايين في كل اتجاه وإنت ماشي في الشارع، عساك تلاقي موقف، حركة،سكنة، منظر، حد، لفتوا انتباههم وانتباه مخّك لعلّه يعملك فكرة جديدة لحاجة تنكتب بدل حالة الركود الأبدية اللي قلمك فيها، أو يمكن تلاقي حاجة جديدة تتأمل فيها وتطلع منها بفكرة فلسفية اعتباطية جديدة محدش هيعرفها ولا هيفهمها ولا هيسمعها غيرك، وإنت نفسك هتنساها في دقايق.. عشان تجيب فكرة جديدة!

يعني إنك لما ترجع البيت ترسم على وشّك نص ابتسامة وتظهر نصّ اهتمام وتهزّر من غير نِفْس عشان متلفتش النظر لأنك مش مهتم وإنك عاوز تجري على أوضتك تقعد على لابك تكلم أصحابك القريبين جداً أو “هي”، أو تسمع مزيكاتك بتاعتك إنت أو تقرا أي حاجة ممكن تقع في إيدك، على النت بس مش على الورق..

يعني إن وكرك السرّي –أوضتك- تتحول ببطء لكهف رجل بدائي مثقف..! مكتبة عليها كتب مرصوصة كيفما اتفق ومن كل نوع لدرجة إنك نسيت إنت عندك إيه، دمية لـ”إيتشيجو” بتدّي حيوية لمنظر المكتبة، لوحة صغيرة عليها “الحمد لله” كانت هديّة من أختك الكبيرة في عيد ميلاد ما، مكتب مفيهوش سنتيمتر فاضي: مجلّات وكتب دراسة ومذكرات وكتب فكرية وأدبية (أدبية بالذات) وعلب فاضية وأقلام وحاجات لا يعلمها إلا الله..

ورغم كل ده كتر من نصف الكتب دي لم تُقرأ بعد.. وما تزال تعاني مع نفسك حرفياً وضميرك يعذبك لأنك لا تفعل شيئاً حيالها ولو مجرّد تنظيمها بس..

يعني إنك مطلوب في كذا عمل جماعي وكذا شغل “تطوعي طبعاً دماغك متروحش بعيد” ومش بتعمل أي حاجة من دول وعازل نفسك عنهم لأنك محتاج وقت طويل تختلي فيه بنفسك وتسمع لصوت أفكارك، ومحدش بيفهم ده كأنهم هما نفسهم مش بتعدّي عليهم أوقات بيحتاجوا ده بشدّة كمان.. وبتقول في عقك بالك: طظ، إنشالله ما فهموا المهم إنك فاهم.

يعني إنك بييجي عليك الليل تلاقي كل شئ سلبي جواك تقريباً بيطلع في صورة ستيتسات، بوستات على المدونة، كلام مع أصحابك، أغاني بتتسمع أو مجرد أفكار بتلعب في دماغك، مهما كان اليوم حلو وجميل وممتع، ومش قادر تفهم سبب ده لحد الآن.

يعني إنك شايف كل حاجة بمنظور تاني خالص غير غيرك، يعني إن فهمك خاص بيك إنت لوحدك، ساعات فيه ناس بتفهم وساعات أكتر لأ.. ومعادتش بتفرق معاك في الحقيقة ابتسامة

يعني إنك بألف مزاج في الدقيقة، بس في العادة بتحاول تكون مبتهج وبتحاول متسيبش نفسك لأي حاجة وحشة لمدة طويلة..

يعني إنك بتفتقدها، وإن الحياة بتبقى وحشة من غيرها، حتى لو تظاهرت إنك مستمتع بيومك ومقضيها ولا هامّك.. دايماً بتلاقي القطعة الناقصة من بازل حياتك في آخر اليوم ناقصة برضه، ومفيش حاجة بتعوّض مكانها.. غيرها..!

فهمت بقى يعني إيه إنك تكون “سارح في الملكوت”.. ولا لسه.. ولا مش هتفهم أبداً..؟

محمد الوكيل

A.M.Revolution