عن الحرية/الإبداع، وفنجانا قهوة أحدهما بالبندق..

4_large

الآن اجلسي، ولنتناول قهوتنا –قهوة بالبندق في حالتي- ونتحدّث..

وخَبّريني، بما أنكِ عاشقة للإبداع وربما لكِ نظرة مختلفة فيه، هل ترينَ علاقة ما بين الإبداع وبين ما قد أسمّيه التحرر من “القيود”..؟

ستسألين “ما الذي تقصده بالقيود؟”.. سأقول هو المعنى الذي تبادر لذهنكِ: كل قيد يمكن أن يضعه المجتمع من أحكام، انطباعات مسبقة، كلام ناس، قوالب عامّة، حِسّ عام/تفكير سليم/فطرة، شكليات واعتقادات وأخلاقيات، وحتّى عقائد..!

 

” .. استهلال..!”

أُكَلّمكِ عن المتحررين في/من مجتمعنا بصورتهم التقليدية: فتاة سافرة الشعر مجعّدته في جينز أسود وتيشيرت رمادي وسلسلة عنق “مصر حرة”، تجلس متربّعة على رصيف مجمع التحرير تحمل حاسباً نقالاً مع ملصقات (لا لشيء ما) وصورة شهيد أو اثنين و (يو إس بي مودم) وتكتب تويتة أو تدوينة أو حالة شخصية بسرعة ونهم.. الشاب الذي يجلس بجوارها طويل الشعر جداً أكرته بحقيبة ظهر عملاقة كحقيبة مدرسية ويكتب تويتة على هاتفه الذكيّ ويتحدّث معها في نفس الوقت ويضحك.. ذلك الصديق/ة على (فيسبوك) و(تمبلر) الذين يكتبون ويتناقلون عبارات عميقة غامضة بخطوط زخرفية رائعة أو رسوم تجريدية/سريالية معقدة جداً وغير مفهومة في الغالب إلا لهم وأصدقائهم أو فوتوغرافيا ظِلّية بالأبيض والأسود (غالباً لنساء عاريات!) .. الأشكال والطرق مختلفة لكن قصدي وصلكِ بالتأكيد..

 

” .. سؤال..! “

الآن، كيف ترين الحالة الإبداعية لهؤلاء؟

أراها شيئاً مختلفاً يستحقّ التأمل ربما.. اقرأي كتابات هؤلاء، تجدينها أبعد ما تكون عن التقليدية (والسطحية أحياناً)، مميزة، معقّدة، غامضة أحياناً كثيرة، خارقة لأكثر القيود عادة، تُقَدِّم وجبة شهية من الأسئلة والدهشة، و-بالتأكيد- تثري الروح بشيء جديد قويّ على غرابته..

والآن وقتُ الأسئلة: هل يلزم لأكون بهذا الإبداع أن أكسر تلك القيود أو واحداً أو اثنين منها على الأقل؟ جميع هؤلاء على الأقل يفعلون، فهل يجب أن أفعل أنا؟

 

“..شرنقة وفراشة..!”

أدبيات هؤلاء تخبر بأنهم عادة يمرون بمرحلة مخاض عسيرة لكسر القيود يتبعها تحولهم لما هم عليه، يتعبون كثيراً ويقاومون المجتمع وعوامله الكثيرة جداً حتى ينالوا ذلك الاستقلال الفكري والروحي عنه.. ولابد بالتأكيد أن يتحولوا لفراشات برّاقة المظهر لامعة جداً وإن لم تعجب الكثيرين.. والحقّ أن نفسي تنازعني كثيراً جداً لأجرّب هذه المرحلة كتجربة حياتية جديدة، لأتحوّل لنفس النسق الفَرَاشيّ العجيب الجميل.. هؤلاء كسروا “القوالب القديمة” للمجتمع، فَلِمَ لا أفعل أنا؟

 

“.. قالب وقوالب..!”

لكن.. ألا ترين معي أن ليسَ كلّ ما يودّون كسره سيئ لهذا الحد؟ صدقيني أنا نفسي أهوى عادة تكسير بعض تلك القوالب القديمة، إلا أن شيئاً كالعقيدة أو كالأخلاق ليسا شيئين قد أقايضهما بغيرهما في وقت قريب.. سيستخف البعض هذا مني بالتأكيد لكنني لا أتوقّف عن مراجعة هذين باستمرار ولا أدع لعقلي الفرصة ليهدأ في الواقع..

شيء آخر: أخذ الأمر هكذا ليس سوى خروج من قالب للانحباس داخل آخر أكثر جمالاً ليس إلا..! وفي الواقع لستُ أحبّ أن يصير بي الأمر لهذا.. أفضّل لحياتي ونفسي أن أُجَمّعَ شظايا نفسي بنفسي وأن أشكّل صورتي بيدي من قطعة من كل شيء أمرّ به، أفضّل أن أكون أنا القالب الجديد الخاص بي فمن شاء أن يتشبّه فليفعل ومن لم يشأ فهذا يخصّه.. أو كما أقول ويقول الكثيرون: لا يلزم أن أسمع طوال الوقت (مشروع ليلى) و(فيروز كراوية) و(الشيخ إمام) و(وسط البلد) وأكثر من سماع (فيروز) على شاطئ اسكندرية و(إديث بياف) في السهرات الرائقة والموسيقى الجزائرية الكلاسيكية في ساعات الفراغ، فقط لأسمّى مثقفاً..

غير أن حديثاً مع أحد أصدقائي غيّر في داخلي شيئاً.. ببساطة، لكلّ منا حزنه الخاص، وهؤلاء حزنهم الخاصّ اغترابهم..! حتى مع اختلافهم الذين يسعدون به ولا يجدون فيه غرابة بل ويريدون أحياناً اجتذاب الآخرين له، سيجدون دائماً ذلك الحاجز الرفيع الشفاف بينهم وبين الأغيار.. هم مختلفون ومنظور لهم بنظرة مغايرة تؤلمهم في كثير من الأحيان، نظرة أعرفها جيداً.. وتعرفين عني أنني غريب.. غريب تختلف غرابتي عن هؤلاء وعن الجميع، وأن شعوري الدائم بالوحدة –دونك!- هو الثمن الذي أدفعه تلقاء الحفاظ على غرابتي..

 

 

ولستُ بصدد الحكم على هؤلاء المتحررين، ففي الحقيقة أستمتع بغرابتهم وبوجود غرباء غيري، فقط هم لا يكفّون عن صدمي بالأسئلة، ولا يكفون عن جعلي أصارع نفسي باحثاً عن مزيد من الغرابة، ربما أكثر منهم..

“.. فطوبى للغرباء..”

 

Creed – My Sacrifice

 

 

محمد الوكيل

A.M.Revolution