خصلاتُ ثورةٍ، وَيَدُه.

839590dcb9db83611a8c2446c67f387f

جَلَسَتْ بجواره قبل ظهيرةٍ ناعمةٍ على كورنيش البحر، في صمتٍ إلا من نهنهة منها خافتة، مغطية وجهها الصغير بكفّيها، وجسدها الضئيل يهتزّ مرتعشاً ببكائها، على قيدِ أنامل منه، هو الجالس في صمت ضامّاً كفّيه في حِجره، دون تعليق..

لم ينبسّا بكلمة، لم يلتفتا لبعضهما حتى. فقط، مدّ هو يداً وضعها على رأسها. يداً ساذجةً غير خبيرة، تداعب أعلى رأسها، خصلات شعرها المنسدلة في ثورةٍ هادئةٍ إلى الخلف.. يداً تسري في هدوء تلملم خصلاتِ تلك الثورة، تهذّبها.. تحرسها من شيء ما.

هدأت، طابت ارتعاشتُها، رفعت كفّيها عن وجهها وإلى جانبيها –وجانبه-، وواصلا تأمّل البحر ثانيةً، بزوجٍ جديد من الأعين.

 

محمد..

6- حياةٌ بلا رؤيةِ بحر..

20140908_200523

حوض سمكنا الزجاجيّ متوسّط الحجم، موقعٌ هادئ في المنزل ومسكن لحياةٍ أخرى. 8 سبتمبر 2014.

حين شاهدتُ لأوّل مرةٍ في حياتي حوض سمك عند أحدِ جيراننا، تقلّبت مشاعر مختلفة داخلي. شيء كهذا مع الاعتياد قد لا تلحظه أصلاً أو لا تشعر بقيمته، إلا أن المرأى الأول يختلف، وكذلك التأمّل العميق.. تشعر أن هناكَ جزءاً من البحر بين الجدران الزجاجيّة، هيبة وغموض وعُمق وحالة رائقة من الوجود، والكثير من الانبهار يتراقص مع أذيال سمكات الزينة الملوّنة.. حالة لا تكادُ تملّها إن أخرجتَ نفسك من دائرة الاعتياد، حتى وإن كانت كلّها مفتعلة: الزجاج والماء المقطّر ومنقّي الماء وجهاز الأكسجين والشجيرات والأعشاب البلاستيكية والحصوات الملوّنة، محاولة قد تراها بائسة لاصطناع بيئة مناسبة لسمك لم يرَ البحر يوماً واحداً.

وقد جال في بالي لبرهة خاطر أن هذا السمك ربّما لم يرَ البحر وربما يشعر بالحنين له، كونه وُجِدَ فقط بغرض الحبس في الحوض للزينة، لكن حين تداركته أدركتُ أن ربّما هذا السمك سيضلّ طريقه في البحر أو النهر وربما يموت بعد قليل. ربّما نحن فقط من يعشق قولبة الأمور، ربّما هم من علّمونا أن لا حياة للكون إلا بالتصنيف والقولبة.

أحياناً يحلو لي أن أدعَ الكونَ وشأنه.

 

محمد..

 

(هذه التدوينة جزء من حملة تدوين يوميّ باسم #صورة_تحكي ، للتفاصيل راجعوا الهاشتاج في فيسبوك، وصفحة الإيفنت : صـــورةٌ تــَحكـي – (مشروع للتدوين والتصوير)