صَدْمَة: استمرّ..!

KeepLaughing

الصّدمة، الشعور المفاجئ بالخواء، الحيرة الوجوديّة فيما بعد، ثم المشاعر المضطربة.

تقرأ العبارة على جدارٍ بينما تسير عائداً من عملك، كليّتك، مقهاك ومجتمع رفاقك في السوء أو الخير، سعيدا أو كئيباً لأحد أو كُلّ الأسباب المعتادة، ثم تحين منك نظرة فتقرأ: استمرّ في الضحك.. ستموتُ قريباً..

الأمر يبدو كخطّ بياني يمضي متعالياً منتشياً متقافزاً، ثم يتوقّف فجأة، ثم ينحدر بأقصى سرعة.. صحّ؟

كلنا بنفوس وعقولٍ مختلفة، تربيات مختلفة وأفكار وثقافات تختلف قطعاً مهما تشاركنا البيوت واللقيمات. وكلّنا سيتلّقى العبارة بذات الصّدمة، وكلّنا سيعالج الصّدمة بطريقة مختلفة، ولا شكّ.

غالباً سترى العبارة دعوةً صريحة للاكتئاب، الزّهد والعُزلة. “أنا سأموتُ قريباً بأيّ حال فما داعي الضّحك؟”، ستراها صوتاً لائماً شبه أبويّ كذلك الذي يقول لك: استمرّ في اللعب، الامتحانات قريباً وسترسب. تعرف الشعور بالتأكيد. “قد” ترى العبارة حافزاً..! حافزاً لأن إما تضحك أكثر وتنال كفايتك من الضّحك حتى لا تموت وفي نفسك رغبةٌ من الدّنيا، وإمّا لأن تقدّم لحياتك الآخرة في الدّنيا، لأنك “ستموت قريباً”، وفي هذه الحال إما ستتجاهل نصفَ العبارةِ الأول تماماً وإما ستراه –كذلك- ذات الصّوت شبه الأبويّ إيّاه. وقد تكون، فقط، مجرّد عبارةٍ يائسةٍ أخرى في زَمَكان لا يدعو سوى لذلك.

 

بشكلٍ عام، الأمر كناقوس.. شيءُ يدقّ داخلك، يهزّ جدران كيانك بشكلٍ ما، أو يلقي حجراً في مياه راكدةً ما أو يضيف موجة جديدة لمياه ثائرة بالفعل، أو قد يُحرّك ذرّة فيك.. وقد لا يفعل أيّ شيء.. كأيّ حجر في الطّريق.

 

محمّد..

عن الحميميّة، والقهوة.

image

ما سر حميمية القهوة؟ لماذا حين تحتسي فنجان المساء تشعر تلقائياً – مع الرشفة الأولى – أنك تتمنى لو كان أحدهم يشاركك الجلسة والقهوة؟

 

أتعلم؟ حين توضع في موقف اختيار رفيق قهوة، ستختار عادةً واحداً من اثنين: إما شخصاً قريباً من قلبك جداً، وإما شخصاً في طريقه لذلك، شخصاً يقف على أبواب قلبك يطرق وينتظر الدخول، وقهوتكما تلك هي مفتاح الباب لك وله. هناك ذلك الاستقبال الحار المبتهج للفنجان لحظة تقديمه لك، الفنجان الصغير الدافئ معتدل السخونة، الممتلئ بالسائل الرائع وبالمذاق الزاخر بالاحتمالات، وبالأفكار الوليدة والنظر للمستقبل، والماضي أحياناً – إن كنت شاركت هذه الجلسة قبلاً مع عزيز راحل-. هناك الشعور الغامر والطاقة الدافقة مع رشفاتك الأولى القليلة رغماً عنك، والتي تحتسيها ببطء وفي قطرات خفيفة مخافة انتهاء الفنجان سريعاً. هذا يبدو تماماً مثل الحياة، تتذوقها وتتجدد أحاسيسك معها باستمرار وتتمنى حتى لو تتمكن من تسجيل كل إحساس لتعيشه عشرات المرات لاحقاً، وتعيشها على مهل جداً، حتى لا تنفد ولمّا تشعر بالمذاق وبالاستنارة الكافية. 

 

هناك السكون غير الراقد في جو القهوة، كجدول مائي لا تكاد تسمع له صوتاً إلا أنه يجري ويمنح الحياة، السكون الاستاتيكي كأنما متعة القهوة لا تكتمل تماماً إلا في هدوء.. هي شيء تستغرق فيه بحواسك الرئيسية كلها ولا تصح مقاطعته بضجيج من نوع ما.

 

الآن اختبر هذه الأجواء، تخيلها أو اذهب إلى مقهى هادئ واطلب فنجاناً مضبوطاً كما تفضله، أو اصنعها بنفسك كما تحب واختلِ بنفسك بها، واشعر بكل تلك الحميميّة. واشعر بالرغبة في شريك للقهوة، ذلك الشريك الذي هو الأخ التوأم للقهوة بكل حميميتها واحتمالاتها وغموضها، وقل لنفسك وأخبرني: من تودّ أن يكون شريك القهوة الحميم ذاك؟ 

محمد..

الذّاكرة تبقى.. (رسالة إلى الوطواط)

عزيزي (الوطواط)..

لم أكتب إليك أبداً قبل اليوم، كتبت عنك فقط كثيراً. تتساءل –وأنا كذلك- لِمَ هذه المرة؟ لأن فكرة الحديث مع الدمى والدباديب التي تفعلها الفتيات جميعاً تبدو مسليّة وأحببتُ تجربتها طوال عمري، أنت لستَ بدبّ محشوّ أو دمية طبعاً لكنّك رفيق مناسب، ظِلّي وانعكاسي وسيفي ودرعي.. غير أنه لا محبوبة لي –بعد- والوحدة والأوقات العسيرة تدفعان المرء لأيّ شيء، حتى للحديث معك.

 

تقترب الامتحانات، الشّعور هذا العام مختلف، هو ضَجَر مُطْلق لا أكثر. هذا على سطح النفس، أما في العُمق فكثيرٌ مما تعرفه أنت وأعيد إخبارك به: ضريبة يأخذها القلق الخفيّ من صحّتي وأعصابي، حموضة متكررة وإرهاق ومشاكل صرتُ أقاسيها مؤخراً مع الطّعام الثقيل، وزُهد صادق في 80% من الحياة، علاقات اجتماعية شنيعة تنقطع ويتم لحامها بخياطة سهلة الفكّ كخياطة جراحة بطن في مستشفى الجامعة. أعراض جانبيّة في الغالب لكنها تأخذ من اهتمامي الكثير للأسف.

صرتُ وإياك نتشارك الكثير، الكثير من الجديّة الظاهرة، شبه الكآبة، الصّمت المتواصل والزُّهد في الناس وعدم التعلّق، والتأمّل والترقّب والمحاولات العديدة لفهم فلسفة الحياة، التي تدور في علامات (لانهاية) كثيرة.. وترك الكتابة للآخر. تخيّل؟ تركتُ الكتابة قبل مدّة إلا من محاولات بسيطة بين الحين والآخر تاركاً الأمر لمزاجك، وأنت لا تهتمّ أصلاً ولا أنا نفسي أهتمّ، أحاول فقط تحسين حياة Makeshift .

 

لا أعلم إن كان هذا كلّه من أثر الامتحانات أم أنه راسب مقيم، كما ولا أعلم ما إذا كان افتقاد الرّفيقة هذا مجرّد أثر جانبيّ آخر. لا أحبّ أن أفكّر فيه كذلك، فكما الأمر يبدو وجع رأس، فهو –بالتأكيد- فيه ما يُسْعِد، وإلا ما رغب فيه البشر وشعروه وطلبوه آلاف السنين.

كتبتُ إليك وأنهي رسالتي الآن وأنا أستمع إلى ميتاليكا Metallica ، أصدقك القول أنه أسوأ اختيار للكتابة، لكنه المزاج المثاليّ لاستحضار روحك. كما وأنتَ كالغبيّ تحاول دفعي دفعاً للمقارنة بينهنّ والاختيار، ولا تفهم أنني –على ما تراه منّي غباءً- أرى منهنّ واحدة وأكره فكرة المقارنة، وأكره فكرة أن الهرمونات تجبرني على التفكير في غيرها. حتى أنت نفسك وحتى (باتمان) لا سلطة لكما على هذه بالذّات، لكني أنا على الأقل أملك قمّة الهرم: الأخلاقيّات والجماليّات، وأملك تحسين هذا.

طابت ليلتك.

 

Metallica – Die, Die My Darling

 

محمّد..