تقدمة:
(أركض خمسة آلافِ ميلٍ، تنقطع أنفاسي،
بمئة لترٍ من الأدرينالين، جسدي يعملُ بكاملِ طاقته..
هل مناسبٌ أن أتوقّف هنا؟ حتى أينَ؟
الأشجار التي تُلونُ المدينة تغيّر مظهرها مجدداً وثانيةً..)
– Last Alliance – Shissou
*****
– كيف هي الحياةُ الآن؟
(مملة). أول إجابة تردُ على بالي، ثم تتابع الأخريات: أقرأ كتابين معاً لا علاقة لأحدهما بالآخر بالمرة، أكتبُ رسائل لأصدقاء في محاولة لإبقاء قلمي حيّاً، أعالجُ الملل الخانق بالقهوة بالبندق من مقهاي المفضّل مع حلقات من أنيمى ما، أستمع لموسيقى جديدة بين الحينِ والآخر، أشاهدُ فيلماً جديداً لأول مرة من شهور لأجده فيلماً –على بداعته- ضاغطاً للأعصاب موتّراً. و-بين الحين والآخر- أحاول تعلّم أي شيء في سنة الامتياز السلحفائيّة السيزيفيّة هذه.
– كيف هي الحياةُ الآن؟
أجبتُ تارة.. لا لم تقصد هذا، صحيح؟ تقصد الجوانيات كما يقول المفكرون الإسلاميّون؟ فراغ، وسباحةُ في فضاءٍ من الحيرة والتيه. حيرة وتيه كما يجب أن يكونا. انقطعت الخيطان الواصلة بيني وبين أساسي الضعيف –الكلية- فصار عليّ إيجاد أساسات وربما خيطانٍ أخرى.
اليدان في الجيبين، أتأمّل الحياة في ملل شديد يميل ناحيةَ الاكتئاب والزهد في الحياة كلها، ربما كتقنيّة دفاعية، أحتسي القهوة كمحاولة لبعث بعض العصبيّة والحياة الزائفة في عروقي، أكتب لتدوين الملاحظات كما يدون ملاحظاته عالمٌ شاب يراقب (هومونكلوس) اكتشفه للتوّ، ملاحظات لا تنقطع ولا يقرأها أحد غالباً إلا المُرسل إليه، أو أنا وحدي. أتخيّل كثيراً جداً أبطالاً خارقين يقاتلون أشراراً ووحوشاً ومخاطر طبيعيّة، في قوّة وبراعةٍ ورشاقة.. نعم، الوطواط. أفتقدُ الصحبة البشريّة بجنون، ليس أيّ عابر سبيلٍ، أحتبسُ في دائرتي أكثر بشكل مريع يكاد يخنقني، أصارع بين الخروج والانحباس أكثر. أفتقد دفئاً لا أجده، فقط أتخيّله وأكتب عنه وألتمسه حيثما رأيته، وهذا –لعمر الله- موجع في ذاته. ممزّق بين أنغمس في الحبّ وبين أن أدافع عن نفسي منه كشرّ لا بدّ منه، هو شرّ في نهاية الأمر. لا أدري.
وصلتُ للانعزال العقلي عن مما حولي، وبالغتُ حتى النسيان والشرود الدائم، صرتُ أقربَ للدراويش مني لطالب طب/طبيب امتياز في بداية حياته –يفترضون-، لا ينقصني في هذه الحالة سوى كوفيّة وسيجارة بين أصابعي وفمي وجلسة أبدية على مقهى بلديّ ما.
– كيف ستكون؟
لا أرى يا صديق. لا أرى. لا أراني إلا في فضاءٍ سابحاً. الطرق كثيرة تتشتت، ولا أخشى سوى النهاية، ثم الطريق نفسه: أخافُ الملل، الضياع، أن أقول في النهاية: لم يكن هذا ما أردت، لقد أضعتُ حياتي.. والنتيجة؟ أضيعها في الحاضر بلا طائل طبعاً. أدع الإجابة على السؤال لكلّ غدٍ، بلا فائدة حقيقيّة.
(ارفع يمناك ويسراك، ومزّق الظلام، انطلق!)
كذا يدعوني Last Alliance للتفاؤل وتمزيق الظلام، والإجابة الوحيدة هنا: لا حماس، لا شغف، دعوني وشأني. سأتعافى عند الأبد.
يدان في جيبيْن، وموسيقى في الأذن، وحيرةٌ في القلب والعقل..
(انتهى التقرير..!)
محمّد..