حياةٌ في جَسَدِ الأيّام.. (رسالة)

9f19af6eec9ffc7afb613df4aeafe81f

محادثة ممتعة؟ أحتاج هذا من وقت لآخر، وإن أمكن فكل الوقت. تبدو كبهارات الحياة، ملحها حتى، وأكثر الطعام لا يحلو بغير هذين. كقطعة نادرة نقطع المحيطات لأجلها لأننا نعرف أنه لا يوجد مثلها، وأنها تستحق.. وقد أقطع المسافات وأفعل أي شيء على أمل نيل محادثة ممتعة، كهذه التي نتبادلها الآن يا لبنى :)

لم يعد في هذا العصر ما يثير الاهتمام.. كل شيء يبدو لذائقتي معدنياً، آلياً جافاً جدا بلا روح، احصل على هذه الشهادة لتنال تلك الوظيفة، ابحث عن راتب كذا في شركة كذا لتعيش حياة كذا وتموت مرتاحاً كأنما لا حق لك أن تعيش حياتك كما تشاء! وهذا كله يخيفني يا لبنى، أهرب من هذا كله لحياتي، لعالمي الصغير، الذي ما أزال أستكشفه وأضم إليه الناس والأشياء والتفاصيل، والمحادثات. أشتاق محادثات كهذه، بعث الحياة في جسد الأيام الميتة هذه. أهرب ببالي وجسدي لتلك الجزيرة حيث ينال عقلي ومعه روحي حياة حقيقية، قبل أن ألقيهما ثانية لعالم المعطيات والاحتمالات المقيتة، المخيفة.

فلنجد دائما الوقت والكلمات لمحادثة يا لبنى :)

 

محمد..

11 مايو 2015

إيديّا في جيوبي.. (تقرير)

1505619_10152651069228090_5966979351199457510_n

تقدمة:

(أركض خمسة آلافِ ميلٍ، تنقطع أنفاسي،

بمئة لترٍ من الأدرينالين، جسدي يعملُ بكاملِ طاقته..

هل مناسبٌ أن أتوقّف هنا؟ حتى أينَ؟

الأشجار التي تُلونُ المدينة تغيّر مظهرها مجدداً وثانيةً..)

– Last Alliance – Shissou

*****

– كيف هي الحياةُ الآن؟

(مملة). أول إجابة تردُ على بالي، ثم تتابع الأخريات: أقرأ كتابين معاً لا علاقة لأحدهما بالآخر بالمرة، أكتبُ رسائل لأصدقاء في محاولة لإبقاء قلمي حيّاً، أعالجُ الملل الخانق بالقهوة بالبندق من مقهاي المفضّل مع حلقات من أنيمى ما، أستمع لموسيقى جديدة بين الحينِ والآخر، أشاهدُ فيلماً جديداً لأول مرة من شهور لأجده فيلماً –على بداعته- ضاغطاً للأعصاب موتّراً. و-بين الحين والآخر- أحاول تعلّم أي شيء في سنة الامتياز السلحفائيّة السيزيفيّة هذه.

– كيف هي الحياةُ الآن؟

أجبتُ تارة.. لا لم تقصد هذا، صحيح؟ تقصد الجوانيات كما يقول المفكرون الإسلاميّون؟ فراغ، وسباحةُ في فضاءٍ من الحيرة والتيه. حيرة وتيه كما يجب أن يكونا. انقطعت الخيطان الواصلة بيني وبين أساسي الضعيف –الكلية- فصار عليّ إيجاد أساسات وربما خيطانٍ أخرى.

اليدان في الجيبين، أتأمّل الحياة في ملل شديد يميل ناحيةَ الاكتئاب والزهد في الحياة كلها، ربما كتقنيّة دفاعية، أحتسي القهوة كمحاولة لبعث بعض العصبيّة والحياة الزائفة في عروقي، أكتب لتدوين الملاحظات كما يدون ملاحظاته عالمٌ شاب يراقب (هومونكلوس) اكتشفه للتوّ، ملاحظات لا تنقطع ولا يقرأها أحد غالباً إلا المُرسل إليه، أو أنا وحدي. أتخيّل كثيراً جداً أبطالاً خارقين يقاتلون أشراراً ووحوشاً ومخاطر طبيعيّة، في قوّة وبراعةٍ ورشاقة.. نعم، الوطواط. أفتقدُ الصحبة البشريّة بجنون، ليس أيّ عابر سبيلٍ، أحتبسُ في دائرتي أكثر بشكل مريع يكاد يخنقني، أصارع بين الخروج والانحباس أكثر. أفتقد دفئاً لا أجده، فقط أتخيّله وأكتب عنه وألتمسه حيثما رأيته، وهذا –لعمر الله- موجع في ذاته. ممزّق بين أنغمس في الحبّ وبين أن أدافع عن نفسي منه كشرّ لا بدّ منه، هو شرّ في نهاية الأمر. لا أدري.

وصلتُ للانعزال العقلي عن مما حولي، وبالغتُ حتى النسيان والشرود الدائم، صرتُ أقربَ للدراويش مني لطالب طب/طبيب امتياز في بداية حياته –يفترضون-، لا ينقصني في هذه الحالة سوى كوفيّة وسيجارة بين أصابعي وفمي وجلسة أبدية على مقهى بلديّ ما.

– كيف ستكون؟

لا أرى يا صديق. لا أرى. لا أراني إلا في فضاءٍ سابحاً. الطرق كثيرة تتشتت، ولا أخشى سوى النهاية، ثم الطريق نفسه: أخافُ الملل، الضياع، أن أقول في النهاية: لم يكن هذا ما أردت، لقد أضعتُ حياتي.. والنتيجة؟ أضيعها في الحاضر بلا طائل طبعاً. أدع الإجابة على السؤال لكلّ غدٍ، بلا فائدة حقيقيّة.

(ارفع يمناك ويسراك، ومزّق الظلام، انطلق!)

كذا يدعوني Last Alliance للتفاؤل وتمزيق الظلام، والإجابة الوحيدة هنا: لا حماس، لا شغف، دعوني وشأني. سأتعافى عند الأبد.

يدان في جيبيْن، وموسيقى في الأذن، وحيرةٌ في القلب والعقل..

(انتهى التقرير..!)

محمّد..

عن الحكايات، في صباحٍ طازج.. (رسالة)

42d8449baf1c6fa3eb7ea1e5e29670cc

(Source: Rashomike – DeviantArt)

(من سلسلة طويلة من الرّسائل، قد تخرج للنور يوماً وقد لا تخرج أبداً..حسب قابليتنا للحكي..)

17 أبريل 2015

صباح الخير..

هذا الصباح، أنا حديثُ عهدٍ بالكثير. حديث عهدٍ بنفسي، فجأة شعرتُ كأنما ولدتُ من جديد، صفاء غريب لا مثيل له، هدوء، رغبة في لزوم الفراش وعدم إصدار حركةٍ تكسر هيبة هذه اللحظات الرائقة جداً.. لا أقول حديثُ عهدٍ بربي، لكن على الأقل أشعر بوجود الاحتمالات، بأنني قادر اليوم على أن أكونَ أقرب ولو خطوة. هو صباحٌ طازج جداً، وكذلك روحي.

بالأمس، كنتُ أتحدث مع أحدهم عن أعمالنا الأدبيّة وما شابه، فعرف أنني كنتُ أكتب قصصاً قصيرة فسألني لِمَ توقّفت؟ لم أجد جواباً مقنعاً أقدمه لنفسي قبله. ثم اكتشفتُ الجواب لاحقاً:

عالمي لم يَصِر غنيّاً بما يكفي. الحكايات بالخارج أكثر وأغنى بالتفاصيل والمضامين بكثير جداً مما أملك وأقدر على صنعه بالداخل. أصارحكِ أنني أعشق الحكي جداً، وأنني دائماً ما أجدُ حكاياتٍ مسليّة أحكيها لهم ولنفسي، لكنها دائماً اشتقاقات، حكايات غير مبتكرة، عناصر مستعارة. لا أجدُ في نفسي القدرة على كتابة القصص بعد. أتمنى أن أفعل، أتمنى أن أترك حين أموت آلاف القصص المسليّة، حتى يقرأوا ويستمتعوا بما يقرأون حتى الملل، ولأراقبهم أنا من العلياء وأهز رأسي مبتسماً في رضا.

ما رأيك؟ هل لو صرنا قططاً سنتمكّن من إيجاد حكاياتٍ مسلية أكثر؟ المشكلة أننا لن نتمكّن من الكتابة أو حتى سرد ما رأينا لأحد.. إذاً ما رأيكِ حين تتملّكنا شهوة الحكي أن نحتلّ أجساد بعض البشر ونكتب بأيديهم ما نريد؟ ألن يكون ذلك رائعاً؟ نعيش حياة وحريّة القطط ونكتب كما نشاء؟ :)

فلنجعل اليوم يوماً لطيفاً ولنحافظ على هذه الوتيرة ما أمكن :)

صباحكِ سكر :)

محمد..

محادثةٌ ممتعة كنسيمِ خفيفٍ جداً.. (رسالة)

9b1f55cd2db46feaac5b7d53ee5953b5

مساء الخير..

للمحادثات الجيدة متعتها الخاصة، تعلم ذلك؟ أكاد لا أبالغ حين أخبرك أنها في مستوى متع الإنسان الرئيسة، غير أنها أكثر نفعاً وإمتاعاً، ووصولاً وإشباعاً للروح ودواماً وأعمق أثراً.

 

قليلة هي المحادثات التي خضتها وأنا ثمل بالنشوة، تلك التي تندم على نهايتها ولا تندم أبدا على وقت أنفقته فيها، التي تكادُ فيها تصرخ نشوة عند أقصى قمتها لولا بعض الحياء ورغبتك في استمرار خيطها بلا انقطاع. بالنسبة لي يستوي ذلك الشعور في محادثة رومانسية حميمة، أو في نقاش عن كتاب ما أو مسلسل أنيمى أو ألبوم موسيقي ما، وحتى النقاشات السياسية والشجارات الفكرية المباشرة. لكلً منها متعته تماماً كما تختلف الأطعمة الحلوة والمشطشطة.

 

غير أنني، يا رفيق، لم أصل بعد للمحادثة المثالية جداً، القصوى جداً المشبعة جداً.. لا أدري ولا يهمني كثيراً هنا موضوع المحادثة، غير أنه يهمني جداً أن أتشاركها معه/ا وحدنا على طاولة واحدة، نتناول فنجانيْ قهوة، وقهوة بالذات، نتحادث كيفما شئنا وبأي لهجة وصوت ونبرة، ثم نرفع الفناجين إلى أفواهنا ونرتشف ونتأمل بعضنا في هدوء، نظرة ودوداً سعيدة بصدق أو ربما كنظرة بطلي فنٍ قتالي أثناء استراحة المعركة: نظرة التحدي والشغف والرغبة العاصفة في الاستمرار بلا هوادة. تلك المحادثة حين تمر الكلمات على حواف الروح بهدوء، تداعبها كنسيمٍ خفيف جدا يتلاعب بِرايةٍ ورقية بيضاء بين بنايتين صغيرتين، أو كما تنزلق قطرات القهوة على سطح الفنجان الخارجي، نكاد لا نريدها تفلت حتى لا تفوتنا قطرة من المذاق..

 

أو تماماً كأصابع الفتى يداعب شعر حبيبته وقلبها معه فتشعر تلك الأصابع تلامس روحها ذاتها.. هي تلك المحادثة التي عند قمتها، تعرف تماماً بل ترى بعينيك كيف يمكن أن تحلق الروح إلى سماواتها في حريّة. هو ذاك.

لا أملك من تلك المحادثة حتى الآن إلا تخيل شكلها، وانتظار حدوثها. وهو ما أثق أنه سيحدث يوماً ما. سيستجلب الخيال الحقيقة، وسأستجلب أنا قوة روحي في تلك محادثة، ولأمت بعدها فلا يهم. لن يبقى لي شبح على الأرض بعدها لأنني سأكون استوفيت مهامي وما أرغب من هذا العالم.

 

سنلتقي.

 

محمد..

 

(جزء من سلسلة رسائل ليليّة إلى طرفٍ مجهول، أدوّنها بمناسبة دخولي بالأمس في محادثة أشبه جداً بما تحدّثتُ عنه.)

فكاهة قاتلة.. (رسالة إلى الوطواط)

killingjoke

عزيزي (الوطواط)..

لأقرّب لعقلكَ المعقّد المحصّن الصورة، أكتب إليك الآن كجنديّ في حربٍ عالميّة يختبئ خلف جِدارٍ في أطلال منزل متهدّم، ليكتبَ مذكّراته عن شناعة الحرب، أو رسالةً سريعة يائسة إلى أهله، علّ هذه أو تلكَ يصلان لأحدهم فينقذه أو يتذكّره ويبني له شاهد قبر يليقُ ببطلِ حرب.

كما في سابق حديث، ما يزال القلق حولنا في الجوّ يعصف بي ولا يكاد يهزّك، وهل تعرف؟ وجودك هذه الأيّام وتضخّمك يفعلان بي مفعول المهدّئ القوي، أتراقص مع العاصفة في براعةٍ تدهشني. هل ستبقى معي طويلاً وأضطر لاحتمال الآثار الجانبيّة لتضخّم الإيجو لديك؟ أم تدعني أتعلّم منك ما ينفعني ونقعد هدنة أبديّة ما؟

 

أصارع –يا صديق- التراكمات والتناقضات، تناقضات تعرض نفسها أمام عينيّ وتصل إلى ما أكتب وفيما أفكّر أحياناً، فيراني غيري مجنوناً أو مخلوقاً عجيباً ما، تناقضات بين الحريّة والتحفّظ، بين الثبات كالصخور والفزع والبكاء كطفل، بين عشق الوحدة والاستمتاع بالصّحبة، بين صخب الموسيقى وهدوئها. تراكمات تظهر أعراضها الجانبيّة في أوقات التحفظ والوحدة والهدوء.

جميل، أليسَ كذلك؟ ذلك الوجع الذي يَشْرُطُ قلوبنا في طَلْعِةِ كُل شمس، كمنبّه الصباح يذكّرنا بدايات ومولدَ الألمِ الأول، وبداية كُلّ شيء. تعرفه جيّداً يا (وطواط).. كنت معي في هذا وذاك.

 

هناك كذلك تلك الإرادة الملحّة بإزعاج، في دوام التجديد والاستثارة، حتى صرتُ أكره مجرّد تكرار ما قلتُ لمن لم يسمع، ومهما كان السبب، وصرتُ أكره تكرار النصح لأحدهم، وغير ذلك. للرّوتينية قوّة خارقة كما تعلم.

 

أعودُ اليوم لسماع (بريكنج بنجامين) بينما أنهي خطابي معك. لطالما كانوا الأفضل لأوقات الكتابة العسيرة تلك. الكاتب الذي يحترم نفسه بحاجةٍ لبعض غموض وغرابة كلماتهم، وبعض الشّغف في أوتارهم.. وبحاجة لإحساس (الفوبيا) المنتشر في بعض أغنياتهم. أنت تفهمني بالتأكيد، (بنجامين) كانوا سبباً في وجودك أصلاً وأحد مصادر قوّتك.

 

(وطواط)، حاجتنا لبعضنا لا تُنْكَر، لكن علاقتنا صارت مؤلمة بما يكفي يا صديق، ويوماً ما سيقتلُ أحدنا الآخر. تماماً كما قال (باتمان) لـ(الجوكر) في تلك القصّة المصوّرة إياها. فكاهة قاتلة هي يا صديق، صحيح؟

 

Breaking Benjamin – So Cold

 

محمد..