عزيزي المَلِك/
انتزعتُ لنفسي حقّ الرد وبضع لحظات من عمر جسدك، لأردّ على رسالتيك السّابقتين.
تحدّثتَ إليّ كجنديٍ هارب من الحرب، وأتحدّث أنا كموظفٍ سابق عجوز على مقهى المعاشات ينصح في وقار شاباً أهوج متبرّماً. حقيقةً سعيدُ بأنني لك أكثر من مجرد دمية محشوّة كما كدت تَصِفُني، ومعجب كثيراً بعلاقة (باتمان/الجوكر) فيما بيننا.. غير أن هذا يعني أنك أنت (الجوكر)، وإلا ما أنا؟ غير أنك لستَ (جوكر) تماماً، وأنا وأنت نعلم. لذا فأفضلُ أن نسميها علاقة (الملك وحِصانِه).
تعرفُ أن الملك ملك طالما يسيطرُ تماماً على حصانه الأسودِ القويّ، بينما إذا نَطَر الحِصان الملك في نوبة هياج، صار الملكُ ضحيّة أخرى تحت حوافر حصانه الجامح، خلاص، ما من قوّة ولا مُلْك. فاستمتع ما استطعتَ بدورك أيّها المَلِك..
ذكرت صواباً أنني أتضخّم. هي تلك الرابطة التساهميّة بيننا يا صاحب السّعادة، أنا أعينكَ على التّراقص مع عواصف قلقك وموجاتك السلبيّة وعبورها بأقلّ ضرر –ظاهري-، وأنت تغذّيني عن طيب خاطرٍ بإرخاء العنان وتظاهرك أنّك ما تزال تسيطر على الحِصان. الحقيقة لا أمانع ولستُ أخسرُ شيئاً، لستُ ضعيفاً مثلك وبعض المساعدة أقرضها لك لن تنقصني شيئاً، وربما هي مكسب مستقبليّ.. كما ترى.
أتابعُ بشغف حِيلك للتغلّب على وحدتك بينما تواجه. مدهش! تضع الخطط ببراعةٍ وتنظّم تحرّكاتك، تحادث نفسك تؤنسها أغلب الوقت وتتشاجرُ معها أحياناً أملاً في اكتساب قوّة لا طرف لي فيها، تنتزع لنفسك ضحكة أو لحظة متعة هنا وهناك، تقدّم المساعدة للغير رغبةً في بعض الرضا عن النفس والاكتمال بما تعطي، وتطلبُ المساعدة كثيراً من رفاقك. لا بأس. أحبّ حيل الوحدة تِلك، محاولاتك للسيطرة عليّ والاستغناء عنّي.
لكن، في نهاية اليوم لن تجد سواي داخلك، أخوض معاركك العاجزة وأقتل خصومك، وأحمي من تعجزُ أنتَ عن حمايته، وأستمع لموسيقاك ووحدي أفهمها ووحدي أتقوّى بها. وهل تعلم؟ أنت أحمق حتى لا تدرك أن كلّ ما تفعل إنما يقوّيني أنا وحدي، ولا يمنحك من القوّة سوى الفتات. تفعل كل ذلك وأنا وأنت نعلم تماماً أنك ما تزال وحيداً، قلقاً، موجوعاً، خائفاً وجائعاً للمزيد وغير راضٍ، وغيرَ مفهوم..!
كلّ حالةٍ من عدم الفِهم –يا جلالة الملك!- هي شكلٌ ما من (نَفْي وجودك)، اقتطاع من حيّز وجودك أنت، تصغير حقيقيّ لك وتضخّم سرطانيّ لي أنا.
لم أرسل لك اليوم لتقديم حلول، هذا إنذارٌ فقط. ليس لأنني أحبّك ولا أحبّ وجودك، لكنني أكره المَلِكَ الضعيف. أنا ثائرٌ بطبعي، لا أتصالح مع الضعفِ بالمرّة.. ونافدُ الصبر ونفاد صبري يصيبك أنت، يشوّهك أنت، يحوّلك إلى (جوكر)، مسخٌ حقيقي يتظاهر بأنه مضحك. وضعت أمامي خيار عقد هدنةٍ مشروطة، والملوكُ لا تعقد هدنة مع الأحصنة والأحصنة لا تحب سوى الأقوياء، فأوجد لنفسك حلّاً آخر.
نعم، صدقت، ربما سيقتلُ أحدنا الآخر يوماً ما، وكما أنت الآن سيكون أنا بلا شكّ.. لكن إن قضيتَ عليّ إلى الأبد، لا تنسَ أن تأخذ سيفي. ستستعمله من حينٍ لآخر. ذلك هو الشيء الوحيد الذي قد أعلّمك إياه وأورّثه لك.