بسم الله الرحمن الرحيم
أكرّر نفس المعزوفة الهادئة جداً على جيتاري الأخير المهترئ في جلستي على مقعدي المحطّم، التي طالت لزمن أظنه الأزل، أردد بهمس:
” لا أؤمن بشئ.. لا بالنهايات ولا بالبدايات..
لا أؤمن بشئ.. لا بالأرض ولا بالنجوم..”
حقاً لم أعد أذكر منذ متى أعزفها.. كررتها ربما آلاف المرات.. هي الشئ الوحيد الذي أذكره منذ انتهى كل شئ قبل عام، وهي الصوت الوحيد الذي ربما يصلح ما كانوا يسمونه في العالَمِ المنتهي (موسيقى تصويرية) لهذا المشهد الممتد أمامي منذ ذاك الحين..
لا أدري حقاً لماذا أنا مستمرّ في العزف حتى اللحظة.. النوافذ في منزلي هذا لم يعد لها من داعٍ منذ أن تهدّم نصف المنزل بالضبط ولا يزال يتساقط بمعدل حَجَرٍ أو اثنين في اليوم.. صار مشهد النهاية أمامي واضحاً ضخماً كالقدر، لا يفصلني عن الانضمام إليه سوى بضع أحجار تحت قدميّ هي ساتري الوحيد من الجاذبية، ستسقط كلها قريباً جداً ولا عاصم لي وقتها.. لذا نعم، يمكنني أن أقول أنني –فقط- أمضي الوقت.. أقتات على ما بقي لديّ من طعام صباحاً وأعزف مقطوعتي في الفترات الفاصلة بين سويعات نومي..
“لا أؤمن بشئ.. لا بالشيطان ولا بالإله..
لا أؤمن بشئ.. لا بالسلام ولا بالحرب..”
حجران تساقطا الآن.. معدل التساقط يتسارع وصرتُ أقربَ كثيراً للحافة، تساقط حجران صباحاً وحجر آخر عند الظهيرة.. ربما لم يبقَ الكثير..؟ لا يهم.. أستمر في العزف، والأوتار بدأت بالتهرّئ هي الأخرى.. لا بأس على أي حال.
مقطع ما تذكرته الآن من الأغنية.. كيف نسيته؟ صارت الأشياء كلها سهلة النسيان، فلا داعي للتذكر أصلاً.. لكن.. هذه الكلمات..!
“لا أؤمن بشئ.. سوى نبضات قلوبنا..
لا أؤمن بشئ.. سوى حقيقتنا..!”
نبضات تتردد فيما بقي من أركان الغرفة.. متسارعة متباطئة عالية منخفضة، غير أنها كلها مسموعة.. نبضات لا خوف فيها ولا يأس.. فقط حياة نابضة، نبضات تختلف سرعاتها لكنها لا تقلّ أبداً..!
لا أدري إن كان هذا صدى من مكان بعيد.. لا أدري.. لا أدري، غير أنني –فقط- سعيد هكذا.. أنيس للوحدة أخيراً.. أخيراً دفء، أخيراً حياة.. حتى نور الشمس صار عزيزاً منذ أمد لا أذكره، لكن لم يعد يهم.. تتسارع دقاتي على الجيتار..
“لا، لا أقول أنني آسف.. ربما يوماً سوف نلتقي من جديد..
أبداً لن أنسى.. أبداً لن أندم.. سوف أعيش حياتي!”
بضع كلمات أخرى تذكّرني بها النبضات.. الآن صرتُ أتبادل الحديث معها، أضرب بوتري فتتعالى بعض النبضات ردّاً عليّ، ويرتجف بعضها أو يتباطأ كصوت معارض لطيف لا أملك أمامه سوى أن أرد بضربات رفيقة على الأوتار.. هي ذي نبضة أخرى تشعر بالوحدة ربما، أبتسم في اتجاهها وأضرب وترين بخفّة فتتسارع النبضة وتشارك الأخريات المرح..
لا بأس.. أعلّق الجيتار على ظهري، ألتهم قطعة طعام أخيرة احتفظتُ بها للدقائق الأخيرة ها هنا، ثم أبحثُ عن موطئ قدم صلب نوعاً، فأبدأ بالتسلق نازلاً إلى الأسفل.. أجزاء كثيرة من البيت متهدمة، النزول صعب ولم ألقِ نظرة على الأدوار السفلى منذ زمن، لكن أستمرُّ بالنزول.
تلامس قدميّ الأرض أخيراً.. لم أضع قدميّ في هذا المشهد منذ حدث، لا يبدو مخيفاً تماماً كما ظننتُ من مكاني.. ربما أجدُ هنا أو هناك بضع قطع طعام أخرى، وربما أعثر على أوتار جديدة للجيتار، ما تزال هناك مقطوعات أخرى كثيرة أسلّي بها نفسي وتلك النبضات.. وربما أجد ناجين آخرين من النهاية مختبئين يعزفون مقطوعة أخيرة هم الآخرين.. سترشدني النبضات إلى حيث هم ولا بد..
“لا أؤمن بشئ.. سوى نبضات قلوبنا..
لا أؤمن بشئ.. سوى حقيقتنا..!”
Thirty Seconds to Mars – 100 Suns
Thirty Seconds to Mars – Closer to the Edge
محمد الوكيل
A.M.Revolution