على Goodreads
بسم الله..
لأكن صادقاً من البداية فأقول أن عقد الجواهر هذا (سلسلة كيمياء الصلاة بأجزائها الخمس) كان في ظنّي وقبل الإطلاع عليه بدايةً، مجموعة كتابات إسلاميّة ساذجة أخرى، أو في أفضل الأحوال محاولة دعويّة شبيهة بتجارب (الدعاة الجدد) حيث الغائيّة هي بناء ظاهر حضارةٍ وظاهر عبادة، بمضمون ناقصٍ فقير متجافٍ عن جُلّ المعاني الحقيقيّة للدعوة.
غيّر رأيي تماماً وللمرة لا أذكر كم، د. أحمد الديب، صديق حبيب عظيم الأثر فيّ أثق في نظرته ورجاحة عقله؛ حتى أن رأيه في أيّ كتاب شهادة حاسمة أمينة تماماً له أو عليه.. وقد قال بأن هذا الكتاب هو أهمّ ما قرأ في حياته!
دفعني هذا دفعاً للقراءة؛ فقط لأجد نفسي أمام باب كنز. كتيّبات صغيرة ذائعة الصيت منتشرة وخفيفة، تفتح عينيك، كمسلم يرى في دينه أكثر من مجرّد الظاهر، على ما يدهشك، يصدمك ويلذعك أحياناً، لكنه دائماً وبكلّ يقين يفتح عينيك، ولا يكتفي بهذا، بل يدفعك دفعاً للفعل. كنوز حقيقيّة في أيدي الناس لا يلقون لها بالاً فيما يبدو، كالعادة.
بعينٍ باحثٍ مدققة هادئة متيقّنة مؤمنة، ينظر د. أحمد خيري العمري إلى الصلاة من الخارج إلى الداخل، أعمق أعماق الداخل، يصعد إلى عنان السماوات وإلى الأرض وما فيها وتحتها، يميناً ويسرة وأماماً وخلفاً، ذهاباً وإياباً. ينظر لأدقّ التفاصيل ويحللها بدقّة ذريّة حتى قد تظنّ متفاجئاً أنه يقرأ أفكارك، ينظر في تفاصيل ربما مرّت ببالك أثناء القراءة ولم تظنّ أبداً أنه سينتبه إليها:
الأذان، الإقامة، إقامة الصلاة، التكبير، دعاء الاستفتاح، الفاتحة، الركوع، السجود، الاستراحة، التشهّد، التسبيح وحتى حركة سبابتك !.. كل هذا وأكثر وأدقّ منه بكثير يلتقطه الباحث بدقّة مدهشة صادمة، يقدّم إليك كلّ ما كنت تمارسه وتقرأ عنه طيلة حياتك، بعينٍ جديدة تماماً تماماً، جريئة وثّابة.
ليست الصلاة في رأي الباحث مجرّد حركات شعائريّة متكررة، ولا مجرّد كلمات وأذكار وتسبيحات وتلاوة، ولا مجرّد إسقاط للفرض ولا مجرّد وسيلة للراحة النفسيّة أو للهروب.. هي مفتاح للعالم! مفتاح للآخرة وللحياة الدنيا، قدم وذراع قويّة تجاه المهمة الأساسيّة للإنسان: الخلافة في الأرض. ليست أدنى حركة في الصلاة اعتباطاً، حاشَ لله أن يعبث بنا أو يهيننا هو الذي كرّمنا وحملنا في البرّ والبحر. كان ذلك يقين الباحث وهو يغوص في أعماق المعاني.. يبحث في معاني الكلمات والألفاظ، يستند جزئياً إلى تفاسير وتأويلات السابقين، إلا أنه -في الوقت ذات- يثب مرتفعاً عنها، يدور بعيداً عنها لكن في نفس الفلك الذي تدور فيه، لا مغالاة، لا إفراط ولا تفريط ولا ليّ لعنق كلمة واحدة، بل ولا حتى أفكار مسبّقة، هو بحث (علميّ) (دقيق) بأدوات حساسية فائقة الدقّة، وبخطوات متعقّلة إلى قلب النصوص والحركات والأذكار..
ولأن تيّار قراء الأدبيات الإسلاميّة الشائع لا يهضم -عادة، وللأسف- الأدبيات الضخمة المعقّدة كثيرة الهوامش، تتجاوز سلسلة الجواهر هذه هذه العقبة، بأسلوب أدبيّ رائق هادئ رقيق أحياناً، لاذع مع عدم التنفير أوالتبغيض أحياناً أخرى. وأكرر: بلا إفراط ولا تفريط ولا محاباة للقارئ وإرضاء لذائقة التيار العام فيه، ولا قسوةً عليه، هو الذي ما يزال يفتح طريق النهضة، ويستكشف بعد معالم مهمّته. أسلوب يجعلك تحلّق تحليقاً بين صفحات الكتاب. قد تلاحظ -كما لاحظتُ- التكرار والإطالة، والتكرار على انزعاجي منه أولاً يكون مع معانٍ قيّمة جوهريّة كهذه ضرورة.. فلا يمكنك هنا مجرّد أن تهزّ رأسك في اندهاش ورضا ثمّ تغلق الكتاب وتعود لسابق ما كنتَ عليه مما يحاول الباحث تغييره فيك! معانٍ كهذه يلزمها التكرار، كما يلزمك التكرار والتدريب لتصير قيادتك للسيّارة عمليّة تمارسها بثقة ومهارة ودون تفكير.
ستجد في هذه السلسلة الكثير: الكثير من المعاني الخفيّة، والمعاني الظاهرة المنكشفة انكشافاً جديداً تماماً، الكثير من الإضاءات والفهم.. الفهم الذي يلزمك -كإنسان عاقل- لتؤدي أيّ مهمة في حياتك بكلّ إيمان بأهميّة ما تفعل، فماذا عن أعظم مهمة في حياتك كإنسان: الصلاة؟
لن تخيّب هذه السلسلة أملك، وأرجوك لا تنظر إليها بعين القارئ المتفلسف، وانهل منها ما استطعت فستجد فيها مما سينفعك الكثير جداً، جداً.
اللهم بارك للباحث فيما كتب وقدّمت يداه :) مجموعة كتب أرشّحها بقوّة وبدون أن أفكّر مرّتين، متوافرة ومتاحة لكلّ باحث عن الكنوز.