بسم الله الرحمن الرحيم
على مشهد رائع لمدينة طنطا من الأعلى وفي جو جميل، عُقِدت الجلسة الحادية والثلاثون من جلسات الصالون الأدبي الطنطاوي، بالأمس الأربعاء 28 من يوليو، بكافيه طلّ القمر بالصفوة بلازا شارع القاضي مع شارع البحر.
وأمام ذلك المشهد كانت جلستنا التي كانت عن مدينتنا الغالية طنطا، بلد السيد البدوي والعاصمة الثالثة لمصر التي احتضنت جلسات الصالون الأدبي الطنطاوي لمدة عام كامل وإلى أن يشاء الله.. وقد حلّ علينا ضيفاً في جلسة هذا الأسبوع الأستاذ عادل عصمت، الأديب الروائي الطنطاوي مؤلف الروايات (أيام النوافذ الزرقاء) و(هاجس موت) و(حياة مستقرة) و(الرجل العاري) بالإضافة للكتاب الشائق (ناس وأماكن) الذي يتضمن قسماً يسرد فيه جانباً من تاريخ مدينة طنطا. وقد حضر جلسة هذا الأسبوع مجموعة بسيطة من شباب القراء والمدونين والكُتّاب هم: طارق عميرة وأحمد جلال هاشم وأحمد عبد الرحيم ومعتز الشاعر ومحمد السيد أبو سنة وماجد عبد الدايم، ورانيا محسن (مرحباً من جديد!) والأستاذة فاطمة العوامي من السعودية ^^
وإلى ملخص سريع لأحداث الجلسة مع بعض صور بعدسة زانجتسو (نوكيا إن 95 طبعاً :D):
بدأت الجلسة عند حوالي الساعة الخامسة عصراً بعد وصول الأستاذ عادل عصمت مباشرة، وقد بدأ الأستاذ عادل حديثه بتقديم نسخة من كتابه (ناس وأماكن) كإهداء خاص لأعضاء الصالون الأدبي الطنطاوي، ثم ابتدأ حديثه عن مدينة طنطا بتاريخ نشأتها حيث نشأت قبل 800 سنة كقرية صغيرة محاطة بالترع والمجاري المائية كان مركزها المنطقة بجوار مسجد السيد البدوي حالياً، وكانت تسمى سابقاً (طنتدة). ثم تطرق للحديث عن السيد أحمد البدوي فذكر أنه وفد إلى مصر في رحلته لدراسة الدين والتصوّف ثم ارتحل حتى العراق ثم عاد إلى مصر لينشئ المسجد في طنطا، وقد كان مما قيل في هذا أنه كان قد رأى رؤيا تدفعه للقدوم إلى تلك القرية الصغيرة –التي هي طنطا الآن- فأتى وأنشأ مسجده فيها، كما تحدث عن سبب ارتفاع مكان المسجد عما حوله من الأرض قائلاً أنه كان منشأ على كوم عالٍ من التراب والأرض الطينية كما كان الحال مع كثير من القرى المصرية القديمة، كذلك تطرق الحديث في سرعة إلى الشيخة صباح إحدى مشاهير الصوفية والتي دُفِنت بطنطا قرب المسجد المسمى باسمها، وعن مدرسة ومستشفى الأمريكان واللتين أسستهما مجموعة من الراهبات الأمريكيات اللاتي أتين في وقت ما إلى طنطا للتبشير بالمسيحية –حسب قوله- وعن العلاقة الطيبة بين الشيخة صباح وأولئك الراهبات. ذكر الأستاذ عادل كذلك أن السيد أحمد البدوي كان شخصاً متعلماً يؤيد نشر العلم وكان يقوم بذلك في مسجده.
ثم ذكر منطقة سبرباي قائلاً أنها كانت فيما مضى عاصمة للمنطقة وكانت أفضل وأجمل مما حولها، ذلك بأن أحد المماليك ويدعى (سبرباي) كان قد هبط بالمنطقة فأعجبت زوجته بالمنطقة فقرر تحسينها وتجميلها وتطويرها وسميت باسمه.
كشف لنا الأستاذ عادل كذلك عن سر النمو الأفقي للمدينة ناحية الغرب فيما مضى، حيث كانت كل المنطقة حول المدينة الأصلية –عدا اتجاه الغرب- منطقة ترع ومجارٍ مائية لا تصلح للتمدد السكاني فيها، فتم ضم القرى المجاورة مثل كفر عصام وما حولها إلى المدينة رسمياً.
ثم طال الحديث عن شخصية من أهم الشخصيات التي ساهمت بشكل كبير في الشكل الحالي لطنطا وهو (علي بيه الكبير) أحد أعيان الدولة العثمانية الذي حضر إلى طنطا وساهم في تطويرها وتطوير بنائهما لكن (على نمط العصور الوسطى) حسب تعبيره، كما اهتم كثيراً بتطوير العلم وتحسين المعهد الأحمدي وجعل طنطا منطقة جذب سكاني، وذكر أن العديد من كبار علماء الدين تخرجوا من المعهد الأحمدي مثل فضيلة الإمام محمد عبده وفضيلة الشيخ د.يوسف القرضاوي، كما وقال أن دراسة الدين في الجامع الأحمدي كانت سابقة للأزهر إلا أن الدراسة كانت تُقطع من حين لآخر بمجئ كبار الزوار إلى المسجد فتم جعل الدراسة منفصلة عن الجامع في المعهد الأحمدي، وتطرق الحوار كذلك إلى مناقشة سبب استمرارية الأزهر رغم قدمه وعدم اندثاره، وذلك بسبب أسلوب التعليم فيه الذي يعتمد على اجتذاب النوابغ والمؤهلين لاكتساب العلم وحفظ القرآن الكريم.
تحدث كذلك عن علاقة محمد علي وقصة مجيئه لطنطا، حيث أنه حين وصل طنطا للمرة الأولى وجد إقبالاً غير عادي من الناس على زيارة مقام السيد البدوي ومسجده، وتعجب من إقبال الناس على الشيخ الميت وجعله واسطة بينهم وبين الله (حاشا لله) وابتعادهم عن الحاكم الحي! ^^"
ثم بدأ بالحديث عن تاريخ طنطا الحديث حيث ذكر أنها صارت عاصمة للمنطقة منذ عام 1936 بعد أن كانت المحلة الكبرى هي العاصمة، كما تحدث عن التمدد الحديث في طنطا والذي يراه خاطئاً لأنه تمدد رأسي خطر بسبب طبيعة الأرض الطينية لطنطا، والتمدد الأفقي المتسارع والذي قد يؤدي لنفاد موارد طنطا المائية والكهربية في المستقبل القريب..!
بعد هذا دار الحديث عن أسماء بعض المناطق والأماكن في طنطا مثل ميدان الساعة الذي كانت تدور حوله أسطورة مفادها أن الميدان بُنِيَ في هذا المكان لأنه حدث أن أعدِمَ شاب لجريمة ما في نفس هذا المكان بشكل بشع، فأراد المُعدِمون محو الذكرى الأليمة من أذهان الناس فبنوا تلك الساعة والميدان!
وذكر أن (محمد سعيد العريان) الذي سُمّي الشارع الشهير والمدرسة الإعدادية بطنطا على اسمه كان أديباً طنطاوياً كبيراً، وأن مدرسة (صادق الرافعي) السابقة –رحمها الله!- بطنطا سُميت كذلك لأن الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي كان قد نزل بطنطا في فترة ما وأقام حيث بُنيِت المدرسة (كما أذكر ^^")، ثم اختتم هذا الجزء من حديثه بملحوظة مفادها أن طنطا كان يجب أن تحتفل بمئوية تحديثها قبل عامين!
ثم تلا الأستاذ عادل مقالاً شائقاً له بعنوان (تصفيق رجل الأمن) يتحدث عن شكل إحكام الأمن لقبضته على الجامعات وعن الثورة الطلابية، دفع دفة الحوار إلى النقاش عن الحركات الطلابية في مصر والتي اشتعلت شرارتها مع ثورة 1919 واستمرت حتى السبعينات من القرن الماضي حيث أخمدها السادات –على حد تعبير الأستاذ عادل-. كما تحدث عن محاولات الحركات الطلابية لإيصال صوتها إلى الحكومة والناس وحربها مع الجهات الحكومية وهيئات التدريس في سبيل ذلك.
بعد ذلك تقدمنا بسؤال له عن مشروعه لتوثيق تاريخ طنطا، فأجاب بأن المشروع حتى الآن عبارة عن مجموعة انطباعات وخبرات اكتسبها وسمع عنها، ولا توجد مصادر ثابتة للتواريخ أو تاريخ الأمكنة، ثم ذكر عبارة جميلة مفادها بأن طنطا مدينتين: المدينة الرسمية الموثقة في الأوراق، وطنطا التي في قلبه وفي قلوب وحكاوي الناس فيها..! ثم تحدث عن الفرق بين الكتابة التوثيقية والكتابة الأدبية موضحاً أن الكتابة الأدبية التاريخية تحاول إلى حد ما فك شفرة التوثيق، مشيراً إلى أن كتابه (ناس وأماكن) ليس توثيقياً بقدر ما هو كتاب أدبي.
واختتم الحديث بنبذة عن تاريخ الحركة الأدبية في طنطا حيث ذكر الأستاذ عادل أنه في الفترة الحالية صار من السهل جداً عقد اللقاءات الأدبية الشبابية خصوصاً مع سهولة إيجاد الأماكن المناسبة لذلك، وذكر لنا نبذة عن تاريخ اللقاءات الأدبية القديمة التي واجهت صعوبات كثيرة من حيث اختيار الأماكن والرقابة الأمنية!
وانتهت الجلسة بوعد من الأستاذ عادل بمزيد من الحكايات عن طنطا والمزيد من المعلومات المجهولة لنا عن هذه المدينة المحبوبة.. لنا على الأقل! ^^"
كانت الجلسة رغم قلة عدد الحاضرين ممتعة حقاً خاصة بوجود الأستاذ عادل عصمت وبأدبه وحسن تعامله معنا، كما نشكره بشدة على إهدائه الجميل وعلى اهتمامه بالحضور :)
وانتظروا المزيد من الصالون الأدبي الطنطاوي في القريب إن شاء الله :)
شكراً..
محمد الوكيل
A.M.Revolution