في محاولات الإمساك بالحاضر.. (تقرير).

(كُتِبَ بتاريخ 8 أكتوبر 2015.)


81796d0d9718ae73132ceceb65618fdb

أكاد لا أشعر بمرور الزمن، بوجود الزمن حتى..
نعرف مرور الزمن كعامّة على أنه اختلاف الليل والنهار المعتاد، كل مجموعة من التتابعات نسميها اسما ما وتتجمع الوحدات ببطء – أو بسرعة على حسب مسافتك من يوم القيامة – وتكون كتلاً أكبر يتغذى عليها المؤرخون ويسمونها “التاريخ”. وما يسجله هؤلاء هو أهم ما يحدث في كل كتلة زمنية، فقط. إن جردتُ من ذاتي الآن مؤرخاً لحياتي، ماذا سيكتب عن هذه الفترة، بالأحرى هذا الشهر أو الشهران من حياتي؟ سأفترض أنه مؤرخ صبور عاشق للتفاصيل وسنجده يقص الآتي:
ما أزال طبيب/طالب امتياز، في دورة مادة “النساء والتوليد” في شهرها الثاني، لم أحضر يوماً واحداً فيها بالطبع.. لذا أقضي الأيام الحالية بين قراءة القرآن وقراءة بعض كتب متنوعة أحدثها سلسلة صرخة الرعب Goosebumps الشهيرة بالإنجليزية، أعيد قراءتها وأقرأ الكثير مما فاتني منها في طفولتي. اتضح أنها ليست سخيفة جداً كما توقعت وقد أتعلم منها كلمات وتعبيرات جديدة تفيدني في عملي في الترجمة. أحاول مزج بعض الكتب الأخرى منها رواية قصيرة جداً كذيل قط اسمها “أين نذهب يا بابا”، رواية نصف حزينة نصف لطيفة تمنحك على الأقل شعوراً أنك لست الأكثر بؤسا في العالم وأن هناك من هو أبأس منك. كتالوج مبسط لكيفية التعامل مع بؤسك دون “المزيد” من الأضرار. أحاول حشر كتب أخرى آخرها “مفهوم العالمية” لفريد الأنصاري. لا بأس.


أعمل بالترجمة. مجموعة من الأوراق البحثية والكتب عن التربية والأطفال لا أشعر بالغربة في ترجمتها، وأجد فيها سلوى ما. أجد فيها جزءاً أصيلاً من نفسي. ترجمة حرة بسعر زهيد جداً لا أمانع منه هذه الفترة.
لا أستمع للكثير من الموسيقى الجديدة، ولا الأفلام الجديدة ولا المسلسلات الجديدة، ولا ألتقي أصدقاء جددا ولا حتى قدامى، بل وأغلقت حساب فيس بوك منذ خمسة أيام وما زلت مستمراً. لماذا؟
لا أعرف. ربما لهذا أكتب الآن، بصعوبة حقيقية يعلم الله القدير. حتى هذا عَرَضٌ حالي للحالة. لا أكتب. أكاد لا أنتج شيئاً جديداً، لا أفعل شيئاً جديداً بل وأتهيب. ما الذي يحدث؟


اليوم عند الحلاق اكتشفت أن حتى الكلام صار صعباً بل وبدأت أنساه. حاولت الابتسام فشعرت كأن أخدوداً ينشق قي هضبة صخرية. لم أكن مهتماً بالتوادّ مع أحد إلا أنني أجبرت نفسي إجباراً على الحديث مع الحلاق وصديقه المجاور لي في المحل. تأملت ابتسامتي في المرآة فكرهتها وكرهت نفسي. ابتسامة حقيرة منافقة من وجه اعتاد على الابتسام في وجوه الجميع دون سبب ودون مناسبة. الحقيقة أنني لم أرغب في أكثر من الصمت.

أصدقائي؟ لا أعرف. أفتقد العديدين لكن لدي صعوبة حقيقية في الإبقاء على أي محادثة بيننا لأكثر من بضع دقائق. والله أريد أن أتحدث.. لكن الحديث الذي أريده أشبه بتخاطر عقلي لا حاجة فيه للمظاهر ولا وجود فيه للحرج. كيف كان يتحدث الناس؟ كيف يتحدث هؤلاء كلهم بهذه السهولة من الأساس؟ هذا يغيظني ويحبطني. كيف صارت كلماتي التي تخرج بصعوبة، معقدة بليدة مغرقة في النطاعة اللغوية؟ هل بدأت أنسى كلام الناس؟؟
التساؤل عن المستقبل يبدو عبثياً في أيام أحاول فيها فهم حاضري بداية وبداهة. متى صرت وحيدا جدا هكذا؟ متى صارت أخرس هكذا؟ الكلمات تدور في عقلي بلا توقف ولا أنطق. أريد أن أتقافز في الهواء وأن أركض وأثب وأرقص وأطيل شعري، وألعب الدومينو والطاولة وأشرب سيجارة حشيش وأشاهد مباراة ببسبول وربما ألعب، أريد أن أعزف موسيقى وأن أسمعها، وأن أخرج مع فتاة أحبها دون شروط ودون تساؤلات ولا انتظار للمستقبل. جسدي لا يساعدني، عقلي لا يساعدني وقدماي لا تساعدانني وجسدي لا يساعدني. لا شيء يساعدني، لا أحد. أود أن أتمشى بلا توقف وأن لا أحتاج للرجوع للمنزل. أحتاج للإمساك بحاضري قبل أبدأ بالتفكير في المستقبل.

متى كانت الحياة بهذه السخافة؟ هل كانت هكذا دائماِ دون أن أدري؟

 

محمد..