كتابةٌ شبه موسميّة، عن الكتابة.. (5): اكتب، حتى الموت.

“ملاحظة: هذه التدوينة مثالٌ لفكرةٍ لم أكتبها في وقتها ولم أكتب لها حتى رأس موضوع، فقط لأنني أحسست أنها ستفسد وتفقد بريقها لديّ، بل وكنت سأكرهها بشدّة إن فعلت. هذه المرّة كانت الفكرة في رأسي فقط فاختمرت فصارت إلى هذا. ولستُ واثقاً بعد إن كنتُ سأحبها أم لا، لكن كلّ هذا يظلّ محاولات.”

f14b6843e09201a364eef5e6c1b157e3

تخيّل أنك سيّاف محارب يشقّ طريقه الخاصّ جداً، ماذا كنتَ لتفعل؟

ستشاهد عشرات السيّافين يقاتلون وتتابع أدقّ التفاصيل، حركات وضربات السّيف ومسكة المقبض وقوّة الذراعين وسرعة القدمين، ستحاكي ما تراه مناسباً وستتدرب كلّ يوم، ربما لبضع سنوات، قبل أن يولد – ولادةً عسيرة في الواقع –  أسلوبك القتاليّ الخاص. لن يرضيكَ أبداً أن تظلّ إلى الأبد تحاكي العظماء.

الكتابة طريقُ محاربين آخر. تختلف الأدوات والأساليب والأفكار لكن الحالة واحدة. بالتأكيد يفهم ذلك كلّ كاتب مرّت عليه بضع سنوات. تذكّر كم مائة من الكتب قرأت وكم مقالاً سخيفاً وجيداً وبديعاً طالعت، وكم ورقة مزّقت. يبدو غريباً حين تنظر للوراء وتتذكّر هذا كلّه، كيف كنت.

لم أرَ كامل الطريق وإنما أتلمّس خطواتي في بدايته فقط. كيف وجدتُه من الأساس؟ أخبرني أحمد جلال يوماً –حين سألته- أن: اقرأ كتير، اكتب كتير. استصعبت الأمر وكنتُ –كالعادة- متعجّلاً جداً، كنتُ مندمجاً وقتها مع مجتمع الصالون الأدبي الطنطاوي حيثُ كنتُ أرى أصدقاء يفوقونني مستوى بعدّة سنوات وقراءات وكتابات، بقدر ما كان هذا دافعاً للغيرة كان سبباً للاكتشاف أن الأمر ليس بهذه السّهولة. بالمرّة. طريق محاربين حقيقيّ. كتبتُ عشرات القصص في البداية لو قرأتها الآن لخجلت من نسبتها لنفسي، كتبتُ مقالات وتدوينات مختلفة وترجمت، فعلتُ كلّ شيء تقريباً حتى وجدتُ نفسي أبتعد عن القصّ بالتدريج.. حتى بدا لي الآن أنني فعلياً نسيتُ كيف أقصّ أيّ قصة على الإطلاق ما لم تكن بلساني وبعينيّ أنا، لا بعينيْ بطل قصّة مختلق.

 

قبل يومين، قرأتُ تدوينة للمدوّنة الصديقة إيمان عبد الحميد، لطيفة خفيفة الظلّ، كانت تقصّ فيها بعض أفكارها، خواطرها، أحداثها اليوميّة وتفاصيلها الصغيرة بصيغة الشخص الثالث. ببساطة. تدوينة تبدو عاديّة. فجأة أحببتُ الفكرة جداً. نعم، لِمَ لا؟ ألا أمسكُ السيف وأجرّب ضربة أخرى في الهواء؟ ألا أجرّب فقط تغيير الصيغة قليلاً؟ أحكي قصّتي الخاصّة بلسان الشخص الثالث وأدع الأمر هكذا؟

لا أدري فعالية الأمر وما أزالُ متردداً فعلاً. البقاء طويلاً في دائرتي المريحةِ هذهً تعجيل بالموت. ربما. لكن أليس هنالك من حافظوا على أسلوب ما حتى عُرِفوا به؟ أي هذين أنسب؟

كيف أكتب؟ ما الذي أوصلني فجأة إلى مفترق الطُرُقِ هذا؟ ليس هذا مما قد يعطّلني عن الكتابة. أظنّ الطريق يكشف نفسه لمن يسير. اقرأ كثيراً، اكتب كثيراً، جرّب كل شيء وشاهد كلّ شيء، واكتب بينما تراقب، حاول ألا تؤجل فكرة، حاول ألا تدّخر كل شيء حتى تنتهي من المشاهدة فهي لا تنتهي طالما تتنفّس، وقد تموت قبل أن تفعل. اكتب.. فقط، اكتب. أبقِ نفسك حيّاً، واكتب. اكتب حتى الموت.

 

محمد..

فقط.. اكتُب. (مُتَرْجَم)

فقط.. اكتب.

بقلم: ديف جراهام – ترجمة: محمد الوكيل (بتصريح من المؤلف)

النصّ الأصلي من مدوّنة Espresso Coco : http://goo.gl/J4tDNI

a238b64a18387b8a3f6c94d709e9b550

فقط.. اكتب.

احمل معك مفكّرة دائماً. وفي كلّ مكان. اكتب ما تعرفه.. واكتب ما لا تعرفه.

فقط.. اكتب.

احمل معك دائماً قلم حبر.. أو قلم رصاص. المسودّات الأولى يُفترض بها دائماً أن تكون سيئة.

فقط.. اكتب.

إذا أردتَ أن تكتب، ستجد الوقت لذلك. وإن لم تكن مستمتعاً بما تكتب، اكتب شيئاً آخر.

فقط.. اكتب.

استمرّ في الكتابة. أنْجِزْ نَصّاً. ضع له حبكة. استعرضه. اكتب بعفويّة ودون تخطيط. اكتب بكلّ حماسك!

فقط.. اكتب.

يَسْهُلُ قول ذلك، لكن لا يَسْهُلُ فعله دائماً. هل تكتب؟ كيف تجد الوقت؟ هل تخلقُ الوقت؟ هل تعمل معك مفكّرة وقلماً في كلّ مكان؟ هل تكتب ما تعرفه، وتضع له حبكة، وتستعرضه، وتكتبه بعفويّة؟

 

ديف جراهام Dave Graham