كثيراً جداً مؤخراً، أستمتع بصحبةِ نفسي.
يعني؟ أن ألجأ لمقهاي المفضّل (ميركاتو)، أقلّب القائمة باهتمام شديد كأنما سأختار طلباً جديداً فقط لترسو سُفُني عند فنجان القهوة بالبندق (الدوبل) الأبديّ، وأكاد أرى السأم منّي في عينيْ النادل هناك ناطقاً. أجلس للطاولة وأخرج من حقيبة كتفي الأثيرة (التابلت) رفيق الوحدة المخلص، لأطالع روايةً ما أو كتاباً غير أدبيّ – مع أخذ عشرات الملاحظات والهوامش لصنع جوّ من الاهتمام – أو أشاهدَ حلقةَ أنيمى أو أي فيديو معتّق ينتظر مشاهدتي، أو –غالباً- أكتب. أكتب رسالة لصديقٍ ما، يوميّة، خاطرةً سريعة، نفثاتٍ غاضبة أو حزينة أو بعض الخدوش على جدار الذاكرة، أكتب وأكتب، ألزم مكاني والكتابة في هدوء حتى أملّ.
وبنظرة ملولة/مهتمة أبعث نظري في الجالسين، فتيات مدارس أو جامعات يطلبن مشروبات الكريمة المخفوقة والشوكولا والكراميل الفارهة الملونة تلك، شباب بأعمار مختلفة يدرسون غالباً، فتيات أو فتيان ماليزيون يسرّون الناظرين دائماً.. ثم هناك ذلك الشابّ. يتغيّر الفرد دائماً لكن الجوّ هو هو، شاب يجلس وحيداً تماماً في ثياب داكنة منغلقة تليق بمن يرغب في حاجزٍ عزلة شفاف يفصله عن العالم، يجلس إلى تابلت أو لاب توب أو كتاب أو حتى خالياً، إلى فنجان قهوة أو مشروب حلو آخر، يتأمل لا شيء بنظرة زجاجيّة. صورة مثاليّة لمكتئب يحاول إخراج نفسه من حالته ب(دعوة نفسه لمشروب لطيف في مكان هادئ).
أنظر إليه، أستوحش وتتقلّص أعماقي وأنفر. هل قد يصل الانعزال والوِحدة بأحدهم إلى هذا الحد؟ أن يضطرّ – أو يرغب- في الجلوس وحيداً يحاول أن يمارس وحيداً أي نشاط يصلح عادةً لمجموعة؟ ألا يبدو بائساً جداً قاتماً ذابلاً جداً، مُحزِناً جداً كطفلٍ يتيم يجرّد على دُبّه اللعبة شخصيّة ولغة وأفكاراً ويتحدّث إليه في شغف ويلعب معه؟ المنظران يبعثان في نفسي نفس الشعور، وإلى عينيّ نفس شبح الدموع..
ثم فجأة أتذكّر أنني –بهذه النظرة- إنما أنظر إلى نفسي في مرآة مجسّدة! أخرِسُ أفكاري في خجل، أفتعل السرور بما أفعل وأختلق مقالاً ذهنيّاً عن فوائد الوحدة وحلاوتها وجمالها وأن الوحيدين والعُزّاب دائماً لديهم ما ليسَ للمجتمعين.. ثم أنتحر ذهنيّاً وأعيد بعثي، وأنتحر وأبعث وأنتحر وأبعث..