محادثةٌ ممتعة كنسيمِ خفيفٍ جداً.. (رسالة)

9b1f55cd2db46feaac5b7d53ee5953b5

مساء الخير..

للمحادثات الجيدة متعتها الخاصة، تعلم ذلك؟ أكاد لا أبالغ حين أخبرك أنها في مستوى متع الإنسان الرئيسة، غير أنها أكثر نفعاً وإمتاعاً، ووصولاً وإشباعاً للروح ودواماً وأعمق أثراً.

 

قليلة هي المحادثات التي خضتها وأنا ثمل بالنشوة، تلك التي تندم على نهايتها ولا تندم أبدا على وقت أنفقته فيها، التي تكادُ فيها تصرخ نشوة عند أقصى قمتها لولا بعض الحياء ورغبتك في استمرار خيطها بلا انقطاع. بالنسبة لي يستوي ذلك الشعور في محادثة رومانسية حميمة، أو في نقاش عن كتاب ما أو مسلسل أنيمى أو ألبوم موسيقي ما، وحتى النقاشات السياسية والشجارات الفكرية المباشرة. لكلً منها متعته تماماً كما تختلف الأطعمة الحلوة والمشطشطة.

 

غير أنني، يا رفيق، لم أصل بعد للمحادثة المثالية جداً، القصوى جداً المشبعة جداً.. لا أدري ولا يهمني كثيراً هنا موضوع المحادثة، غير أنه يهمني جداً أن أتشاركها معه/ا وحدنا على طاولة واحدة، نتناول فنجانيْ قهوة، وقهوة بالذات، نتحادث كيفما شئنا وبأي لهجة وصوت ونبرة، ثم نرفع الفناجين إلى أفواهنا ونرتشف ونتأمل بعضنا في هدوء، نظرة ودوداً سعيدة بصدق أو ربما كنظرة بطلي فنٍ قتالي أثناء استراحة المعركة: نظرة التحدي والشغف والرغبة العاصفة في الاستمرار بلا هوادة. تلك المحادثة حين تمر الكلمات على حواف الروح بهدوء، تداعبها كنسيمٍ خفيف جدا يتلاعب بِرايةٍ ورقية بيضاء بين بنايتين صغيرتين، أو كما تنزلق قطرات القهوة على سطح الفنجان الخارجي، نكاد لا نريدها تفلت حتى لا تفوتنا قطرة من المذاق..

 

أو تماماً كأصابع الفتى يداعب شعر حبيبته وقلبها معه فتشعر تلك الأصابع تلامس روحها ذاتها.. هي تلك المحادثة التي عند قمتها، تعرف تماماً بل ترى بعينيك كيف يمكن أن تحلق الروح إلى سماواتها في حريّة. هو ذاك.

لا أملك من تلك المحادثة حتى الآن إلا تخيل شكلها، وانتظار حدوثها. وهو ما أثق أنه سيحدث يوماً ما. سيستجلب الخيال الحقيقة، وسأستجلب أنا قوة روحي في تلك محادثة، ولأمت بعدها فلا يهم. لن يبقى لي شبح على الأرض بعدها لأنني سأكون استوفيت مهامي وما أرغب من هذا العالم.

 

سنلتقي.

 

محمد..

 

(جزء من سلسلة رسائل ليليّة إلى طرفٍ مجهول، أدوّنها بمناسبة دخولي بالأمس في محادثة أشبه جداً بما تحدّثتُ عنه.)