خصلاتُ ثورةٍ، وَيَدُه.

839590dcb9db83611a8c2446c67f387f

جَلَسَتْ بجواره قبل ظهيرةٍ ناعمةٍ على كورنيش البحر، في صمتٍ إلا من نهنهة منها خافتة، مغطية وجهها الصغير بكفّيها، وجسدها الضئيل يهتزّ مرتعشاً ببكائها، على قيدِ أنامل منه، هو الجالس في صمت ضامّاً كفّيه في حِجره، دون تعليق..

لم ينبسّا بكلمة، لم يلتفتا لبعضهما حتى. فقط، مدّ هو يداً وضعها على رأسها. يداً ساذجةً غير خبيرة، تداعب أعلى رأسها، خصلات شعرها المنسدلة في ثورةٍ هادئةٍ إلى الخلف.. يداً تسري في هدوء تلملم خصلاتِ تلك الثورة، تهذّبها.. تحرسها من شيء ما.

هدأت، طابت ارتعاشتُها، رفعت كفّيها عن وجهها وإلى جانبيها –وجانبه-، وواصلا تأمّل البحر ثانيةً، بزوجٍ جديد من الأعين.

 

محمد..

السُّخْف بيأكّل عيش: وليمة لأعشاب البحر نموذجاً!

hhwalimaer6

أخوكم –بفضل الله- قارئ قديم، وفخور بكده، ومتابع قديم للأخبار –وكان بالإكراه بصراحة-..

في بدايات الألفيّة كنت بشوف بنصّ اهتمام خناقات وعركات كتير عن رواية لكاتب اسمه (حيدر حيدر)، اسمها (وليمة لأعشاب البحر). اللي شدّني في الموضوع –غير اسم الرواية العجيب- كونها على وصف المتخانقين فيها سبّ لله والأنبياء عليهم السلام وسخريّة من الأديان وما إلى ذلك. فضلت الرواية بالنسبة لي تابوه محرّم وإن كان عندي فضول أقراها في يوم من الأيام، وبعدين كله اتنسى مع الوقت.

 

شفت الرواية تاني قريّب أكتر من مرة في معرض كتب عندنا في الكليّة. كانت كبيرة فقررت أقرأها بي دي إف. قررت كده عشان أحسم الجدل بنفسي وأكوّن رأي خاصّ فيها بدون تحيّزات مسبقة، وعشان أريّح نفسي شوية من الفضول القاتل :D الرواية بتتكلّم عن واحد (مناضل شيوعي) عراقي هرب للجزائر في أغقاب انقلاب حصل على حزبه هناك (ما تنتظرش مني تفاصيل تاريخية :)) ) ، واللي بيحصل له هناك والناس اللي قابلهم، وتمرده على الله والدين والسلطة والمجتمع والناس وما إلى ذلك، مع شوية Flashbacks من أيام “النضال” الشيوعي في العراق إلخ..

 

متوقّع إيه؟ أيوة، الرواية زبالة. آسف على اللفظ، لكن ده أقلّ واجب. سوء الرواية دفعني لتركها قبل حتى المنتصف. مش هنتكلّم دلوقت عن أسباب الهجوم القديم عليها، لكن خد عندك:

– أساليب بلاغية مفتعلة جداً قمّة في السذاجة والتعقيد، وكتير حتى تنسّيك كنت بتقرأ إيه.

– الأحداث مبعثرة، حرفيّاً، تبقى في الجزائر فجأة تلاقي نفسك قفزت للعراق، وتبقى على الشاطئ مع مهدي وآسيا تلاقيك فجأة بقيت في الفندق! انتقالات مفاجئة سايحة في بعضها بشكل يكرّهك في متابعة القراءة.

– أجزاء القصّة مقسّمة حسب فصول السنة، والسبب مجهول تقريباً وملوش معنى في الأحداث أو في خط سير القصة. بالمرة.

– كميّة حشو جنسي غير طبيعية وغير مبرّرة بأي شكل. الأمر وصل بالكاتب لأنه جعل الجنس خارج إطار الزواج أمر معتاد وطبيعي جداً بل وجزء من “النضال الشعبي” في الجزائر (مثال: فلّة بو عنّاب!)، وإن اللي رافضين ده متخلفين وسفلة ودين البدو والصحراء وإله الصحراء مسيطرين عليهم!

– نصف اللي قرأته من الرواية تمجيد وتعظيم للشيوعيين ونضالهم وكفاحهم (المسلح الدموي بالمناسبة وباعترافه هو) بل ودعوتهم شهداء وبشكل فجّ (بيوزع صكوك الشهادة بمزاجه يعني).

– وحدّث ولا حرج عن السب اللا متناهي في الله سبحانه بدون مواربة، وفي الدين ورموز الدين ومنها القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، وفي كلّ صفحة وموقف مهما بلغت تفاهته، وبشكل ممل فعلياً. استشهاداته القرآنية كلها مذكورة في سياق سخرية وتقريباً مفيش آية صحيحة مكتوبة! بيساوي الله سبحانه بطغاة العرب في جبروتهم وعدّهم لأنفاس شعوبهم وقمعهم وتقييدهم، تشكيك في كل شيء من فعل الله، حتى مجرّد شكل أنف آسيا الكبير (آه والله!) وادعاؤه إن الله فنّان فاشل. قول إنه كفر وأنا مش همنعك بل وهبصم معاك بالعشرة :)

باختصار: الرواية فاشلة على كلّ منحى، ومهما حاولت تقرأها بموضوعيّة وبدون أدنى تحيّز، برضه هتلاقي رواية حرام تضيّع فلوسك عليها.

 

تخيّل بقى، بعد ده كلّه وبعد قراءتك للرواية بنفسك، إن الرواية الفاشلة دي دار عليها جدل ضخم من كام سنة. وخلّينا نعترف بإن إحنا اللي بندي للتوافه قيمة وسعر وآذان صاغية وعيون قارئة. أو يمكن إحنا بهذا المستوى اللي يخلّي السُّخف –فيما بيننا- يأكّل عيش. وما رواية الفيل الأزرق (مع التغاضي التامّ عن شبهات كونها مسروقة الفكرة ) أو آراب آيدول أو حتّى أفلام السّبكي وسما المصري وأمثالهم، ببعيد.

 

لا تشتروا السّخف. لا تطعموا السّخف خبزاً. لا تسمحوا للسخف وصنّاعه بالحياة بينكم. أنتم تستحقّون أفضل من هذا. انتهى.

 

محمد الوكيل

12- رئةٌ انتُزِعَت..

IMAG0807

شارع البحر بطنطا، أكبر شوارعها، أورطى المدينة ومكان أغلب ما هو مُهمّ ولامع وبرّاق فيها، ومهوى أفئدة عشّاق المدينة –القليلين- . عصر الأحد 14 سبتمبر 2014.

قال أحمق ما من عُبّاد الحُكومة أن هذا الشارع، شارع البحر، قد صار قطعةً من أوروبا بعد “تجديده”. ذلك التجديد كان إضافة حارة إلى جانبي الشارع مقابل القضاء على مساحة خضراء كبيرة جداً كانت تحتلّ الجزيرة الوسطى، كانت منظراً رائعاً حقاً ورئة للكثيرين، وممشى رائقاً ومصنع أفكار هادئ في المساء. وقطعاً لم تكن قطعة من أوروبا ولا حتى أمريكا الجنوبية ولن تكون، ولكنها كانت منظراً جميلاً وحسب. وقد نجحوا في تدميره وانتزاع جماله نجاحاً كاملاً في مقابل المزيد من الحياة الزائفة للخرسانة والصّفيح.

نحاول محاولات صغيرة استخراج بعض الذّهب من قلب الطين والرّكام فنلتقط صورة كهذه، تمنح فيها الشمس هِبة أخيرة قبل وقت الغروب لأشجار الشارع، وتذكّرنا بأن هناك أشجاراً وأن هناك شمساً وطبيعة وحياة أخرى غير حياة الحكومة ها هنا. وسنستمتع بها رغماً عن الحكومة وعُبّادها وكُلّ شيء. وإن نُزِعَت منّا الشمس والخضرة سنحفر من أجلهما بأظفارنا.

Breaking Benjamin – Who Wants To Live Forever (youtube)

 

محمّد..

 

(هذه التدوينة جزء من حملة تدوين يوميّ باسم #صورة_تحكي ، للتفاصيل راجعوا الهاشتاج في فيسبوك، وصفحة الإيفنت : صـــورةٌ تــَحكـي – (مشروع للتدوين والتصوير)