أريد أن أرسم.

mineral

بقيت لوقتٍ طويل، أستكشف دهاليز وممرّات متاهة الكتابة، أكتب عن الكتابة وأفكّر في الكتابة، أبعثُ برسائل وأضع نفسي في حالات الكتابة المختلفة، أبتكر الأفكار وأمزجها وأدمجها وأربط بينها. إلى أن اكتشفت –فجأة- أنني أتمنى أن أصبح رسّاماً!

كنتُ في طفولتي أرسم. أرسم الكاريكاتير كما كنت أراه في مجلات الأطفال القديمة، أرسم كثيراً وبشغفٍ واهتمام حقيقي، اهتمام من لا يفكّر في (الحوار ده جايب همّه وهيجيب فلوس ولا لأ)، قلّدت ونسخت وابتكرت ورسمت القصص المصوّرة وأعددتُ مجلّات فكاهيّة ومجلة حائط أو اثنتين، وانتهى ذلك كلّه مع الثانوية والكليّة، أكبر أهمّ خدعتين في حياتي، خدعتان بسببهما دهست شغفي دهساً بالحذاء راكضاً خلفهما.. أو مدفوعاً خلفهما، لا فارق.

 

كما قال الجوكر: عودةً إلى الموضوع في يدنا.. اكتشفتُ فجأة أنني أتمنى أن أصبح رسّاماً. حكى (جوزيه ساراماجو Gose Saramago) الروائيّ الوقح الجريء الممتع المبدع فعلاً، في روايته (كتاب الرّسم والخط) عن ذلك الفنان المجهول الذي عاش عمراً يرسم البورتريهات حسب الطلب، إلى أن اكتشف أن ليس هذا ما يريده، وأنه لا أسلوب خاصّ له. لا يرسم لنفسه، لفنّه ولا بيده هو. هو ينسخ الوجوه فقط. هكذا بقي يرسم نسختين من كلّ بورتريه (أصلية كالمطلوبة ونسخته الخاصة)، صار يكتب ويلهب يديه كتابة في تفاصيل التفاصيل: كيف بدأ هذا؟ لماذا؟ إلى أين هو صائر؟ كيف يعيش وسيعيش؟ كيف سيُجري هذا التحوّل؟

 

هل أزعم أنني مثل ذلك الفنان؟ لا، ليس بعد. ها أنا أكتب وأقرأ بشراهة هذه الأيام.. لغرض لا أعرفه بعد. أنا أحبّ ما أفعل وأراه بعين قلبي مهمّاً، وتراه عيني القاصرة مضيعة للوقت –لأنه لا يجلب مالاً-. عيني قاصرة فعلاً ومجازاً، فلِمَ يجب أن أصدّقها؟

كيف بدأ الأمر؟ فقط رأيتُ إحدى خلفيّات هاتفي، و..رأيتهنّ يرسمن. هكذا فقط. هكذا فقط اكتشفت أنني أريد أن أفعل هذا أيضاً! هل أرسم بدافع الغيرة هنا؟ لا أعلم، لكنني فقط أريد أن أفعل هذا!

هل أُجْري هذا التحوّل؟ هل أرسم؟ هل أكتب؟ هل أبتكر لنفسي حالةً جديدة أكثر تعقيداً من هذه الحالية (أستمع حالاً إلى Seether وأنازع دور برد مفاجئ)؟ كيف يرسم الرسّامون؟ في غرف زاخرة بالفوضى وبقع الألوان والفُرَش والزيوت والأقمشة؟ على موسيقى بوهيميّة مليئة بالحركات الناعمة والآهات؟ ما الجدوى التي يرونها في بحيرة من الهلام الملوّن يرسمونها لساعات وأيامٍ على القماش؟

ربما هو طريق محاربين آخر: استكشف الطرق وخُض تيهك الخاصّ ومارس وتمرّن. ولا شيء أفعله سوى الممارسة، والكثير من الانتظار.

 

محمد.

28 أغسطس 2015