كتاب الظلال.. (العنوان: ظل الواقع والوهم)

* العنوان: ظل الواقع والوهم..

بعد طول معاناة وعذاب انتهى كورس الكيمياء الحيوية معلناً بداية فترة كبيرة من وقت الفراغ بالنسبة لي، كان السكشن التالي في الثانية عشرة ولم يكن في نيتي حضور محاضرات اليوم، لذا توجهت تلقاء مقصف الكلية لأحتسي مشروباً غامضاً هو مزيج من الكابوتشينو والماء المغلي وكائن غامض بني اللون يسبح على سطحه..! ثم حملت ما كان معي متوجهاً إلى مبنى الكلية محاولاً إيجاد مكان ملائم لأدرس فيه..

فجأة وجدتُ في نفسي تلك الرغبة الدائمة لتشغيل بعض الموسيقى من هاتفي النقال لأستمع إليها أثناء سيري، لا لأنصت لما تقول الأغنية وإنما كنوع من (الخلفية الموسيقية) لا أكثر! أغنية مما أفضله يقول قائلها شيئاً ما عن الواقع والوهم والخداع الذي يخترق قلوبنا وأشياء أخرى..الواقع والوهم..الواقع والوهم..

عادة غريبة هي في الواقع، اعتدت عليها تدريجياً حتى صرت لا أطيق السير خارج المنزل دونها! قد لا يرى البعض مشكلة في ذلك لكن..لماذا..؟ لماذا أقوم حقاً بمثل هذه عادة..؟ ألأنني أحب ما أسمعه فقط؟ كنت لأسمع ألف شئ آخر غيره..أم لأنه فقط مجرد حاجز..؟ فاصل واهٍ أحاول جاهداً الاحتماء به من أمواج الواقع المتلاطمة..؟؟

لا أدري حقاً..ما زلتُ لا أدري..لا يفترض بمن هم في مكاني أن يحتموا من الواقع إلى هذا الحد..أنا طالب طب كما تعلم، ويُفترض بي أن أكون أكثر جدية، ولكني فقط لا أحب هذا الواقع..عانيتُ منه الكثير فعلاً حتى كرهته ومللته بشدة..هذا الواقع البغيض الذي وضعني أمام طرق مسدودة كثيرة فأجبرني على سلوك طرق أضيق وأصعب..لماذا يفترض بي أصلاً أن أحب الواقع؟ كيف يحب الواقع من فعل فيه هذا الأخير كل هذا؟ هل لهذا أفضل الهروب إلى الوهم وأن أتخذه ساتراً من سهام الواقع المؤلمة؟ لا أدري حقاً..الوهم للأسف مهما طال لحظات قصيرة، وما هو أصلاً إلا دولة صغيرة في عالم الواقع الواسع مترامي الأطراف..

لا أدري..الآن أنا بين ذلك الحد الفاصل بين العالمين: الوهم والواقع..أخاف أن أسقط في أحدهما فأفقد الآخر، أو أن أعيش فيهما معاً فأضل السبيل في أحدهما..

الواقع وإن كان صعباً هو ما يعيش جسدي المادي فيه، والوهم –أو لندعه الخيال- هو ما يهيم عقلي في سماواته..لا أستطيع حقاً أن أختار واحداً منهما أو أن أحابي أحدهما على الآخر..هذا صعب..

جسدي في عالم الواقع..فليكن إذاً، سأسير حاملاً جسدي خلال أرض الواقع، مرتدياً في هذا الحين عباءة خيالي وأفكاري، علها تخفف عني بعض آلام الواقع وتحميني من عواصفه الهائجة..هكذا لا أسقط وأنهار في منتصف طريقي، كذلك الذي يسير في صحراء واسعة بلا ثياب تقيه حرارة شمسها وأتربتها الخانقة..لن أكون كذلك، ولن أدع نفسي أنسحب إلى أحد العالمين كلياً..فقط سأمضي في عالم الواقع متسلحاً ومحتمياً بأفكاري وخيالي، دون أن أدع هذين يضلانني أو يحجبا عينيّ عن الطريق..

هذا يكفيني، الآن على الأقل..هذا يريحني ويثلج صدري ولو لبعض الوقت..

اكتشفتُ فجأة أن سيري أدى بي إلى مدخل الكلية!! مدهش! خطاي سريعة حقاً..ابتسمتُ في سري لذلك الخاطر العابر وأوقفت الموسيقى في هاتفي، وصعدت سلالم الكلية الرخامية باحثاً عن مكان لأدرس فيه..حتى أكون قادراً على أن أمضي، وحتى يكون ما أدرسه نوراً هادياً يمنعني عن أن أضل الطريق..

(وإلى صفحة أخرى بإذن الله..)

محمد الوكيل

أضف تعليق