عن صُنع الجُزُر وبناء الأسوار: موعد يقظة الفِطرة؟

مبدئياً، دعونا لا ننسى ونُسلِّم بأن مجتمعاتنا لا تخلو أبداً من الكثير من العَوَار والمرض النفسيّ ربما، بأشكال مختلفة. لا يخفى ذلك على متابع أبداً، ليس من الطبيعيّ ولا الإنسانيّ كثيرٌ من الممارسات والأفعال التي نؤديها، بل وليس من الطبيعيّ أبداً مجرّد صمتنا على كثير.

ودعونا نتفق كذلك أن الناس –أبداً- لم ولن يكونوا كلّهم سواء. يبقى في تلك المجتمعات أناس ما يزالون أناساً أصلاً. يرفضون الخطأ دائماً وأينما وجد وكيفما ظهر، لا يعجبهم الحال المائل مهما حاولوا الميل معه.. والمشكلة هنا أن كلّ شيء مائل، وأنه لا يكاد يستقيم أو يصحّ شيء في مجتمعاتهم أصلاً. لذا بطبيعة الحال ينقسم هذا الفريق لقسمين: من يخضع (ليس يميل) للعاصفة تماماً ويحيل مبادئه وطبيعته الرافضة إلى النوم، وفريق لا يفعل فيستمرّ في الرفض طوال الوقت وبشكل شبه آليّ.

تكرار الرفض واستمرار الحال المائل وتكراره بلا نهاية واضحة، ضغط نفسيّ ذهنيّ قاتل لهؤلاء، ينظرون فلا يجدون كثيرين يشاركونهم حالتهم العقليّة وموقفهم من أسلوب الحياة المائل ذاك. يميلون تلقائياً لبناء الجدران والأسوار ثمّ الأبراج، ثم الانعزال ببطء إلى الداخل، مع كلّ شيء –وأحد- يوافق أمزجتهم ويريح بالهم، يكتفون بالرّفض من حين لآخر فقط كلّما أطلّوا من النوافذ، ويكتفون ببناء أنفسهم وتربيتها، على آمال مختلفة بسيناريوهات مختلفة للتغيير. هو حلّ وملجأ أخير لهؤلاء. أحدّثك عن خبرة شخصية ومشاهدات كثيرة.

بغض النظر عن أحلام العزلة وآمالها، فلنتساءل: هل هذا الوضع ذاته يستقيم أصلاً؟ هل يصحّ أن يشاهد هؤلاء (لنسمّهم البقيّة الناجية) العالم ينهار من حولهم، القيم تنهار والآخرون يفقدون إنسانيتهم والمجتمع تذوب أنسجته؛ لأنهم فقدوا إرادة القتال وكلّ طاقة، ولأن لا شيء ولا أحد يخدمهم؟ لأنهم يخافون من إفناء الأعمار فيما قد لا يجنون منه أيّ مكسب دنيويّ حاضر؟

أرسل اللهُ الأنبياء لسبب واحد وفكرة مبدئية بسيطة تحمل في طيّاتها الكثير من المسؤولية: لا إله إلا الله. كانوا أرقى من في مجتمعاتهم إنسانياً وفكريّاً والأهمّ إيماناً بالله ورقيّ وإخلاص عقيدة. وأخبرنا نبيّه محمد (صلى الله عليه وسلم) أنه يأتي النبيّ من هؤلاء معه الواحد والاثنان أو لا أحد معه إلا نفسه، ومنهم من يأتي بثمانين شخصاً ومنهم من يأتي بأمّة. هؤلاء لم يفشلوا، لأنهم بقوا على الطريق ثابتين حتّى الممات. وربما من أسباب بعثهم أصلاً أن يقتدي بهم الناس، أن يخرج في كلّ مجتمع أرقى وأنظف من فيه ليأخذوا الباقين إلى طريق الله ما استطاعوا. (ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر). لم تكن مجرّد ضرورة مجتمعية وإنما أمراً صريحاً من الله، وشيئاً في منتهى الوجوب والضرورة. لم يُطالب هؤلاء بنتيجة فورية أو غير فوريّة، ولا حتى هم سيحاسبون على النتائج، بل على الفعل والمحاولة والاستمرار. (كلّ هذا قد تعرفه أنت وقرأته وسمعت عنه آلاف المرات.. ما الجديد؟)

 

القضيّة هنا: كيف سنهدم الأسوار التي انعزلنا خلفها مُجبرين؟ وكيف سنقترب؟ ما الطريق والطريقة؟ وإن تعبنا فهل نستريح؟

ببساطة: فلنعمل على فطرتنا. لنهيّأها، نوقظها ونطهّرها ونقوّيها ونثق بها، بهذا الترتيب. ثم نعيش عليها وبها. ندعها تحرّك أرواحنا وأجسادنا تلقائياً. ستعرف فِطَرُنا تماماً ما هو المطلوب منا لنفعله، ومتى نفعله. ساعدوا فِطَركم على إيجاد الخطأ ومعرفته والقضاء عليه ما أمكن، ستفعل ذلك بدون مجهود كبير منكم، وربما لاحقاً ستجدون راحتكم في ذلك، ولو تطلّب الأمر راحة جسدية وذهنية فستعرف فطرتكم متى وكيف تفعل ذلك.

أبداً لسنا مطالبين بفعل كلّ شيء ولا التخصّص في كلّ شيء. نحن فقط مطالبون أن نكونَ درجات في السلّم العالي، ودرجات متينة تتحمّل وتحمل القادمين إلى القمّة. دعونا نفهم هذه الحقيقة ونتقبّلها ولا نحاول تجاوزها، لأننا لا نعرف ماذا بقي في أعمارنا ولا متسّع فيها بأيّ حال لتضييعها في معارك وجودية تحاول كسر السنّة الكونيّة الأزليّة، قوانين اللعبة وُضِعَت منذ الأزل وما علينا إلا العمل بمقتضاها.

 

قد تبدو هذه الفكرة بائسة ومقزِّمة لنا كبشر. نطمح أن نشعر أننا آلهة، نطمح أن نكسر كلّ القواعد ونعيد تشكيلها، ونكره بشدّة في داخلنا أن نتقيّد بقوانين عملاقة، وفكرة أننا سنموت ونترك هذا كلّه لمن بعدنا، وفكرة أن أعمارنا قصيرة ولا نعرف متى ستنتهي، وفكرة أننا مجرّد درجات في السلّم وعمالقة نرفع الصغار على أكتافنا.. لكن هكذا خُلِقْنا، ولن نُحاسب على مالا نستطيع فعله. سنحاسب فقط على ما نستطيع، وعلى ما فعلنا.

أيقظوا فِطرتكم، ثمّ ضعوها فقط على وضع القيادة الآلية.

 

محمد..

A.M.Revolution

أضف تعليق